غزة | مرة أخرى، يعود جزء من سكان قطاع غزة، البالغ عددهم قرابة مليوني مواطن، إلى استخدام بديل قديم ـ جديد للتدفئة في ظل أزمة الكهرباء الكبيرة. أزمة سببها النقص في الوقود اللازم لتشغيل محطة الطاقة الرئيسية في القطاع، وانقطاع الوقود المصري مقابل ارتفاع نظيره الإسرائيلي، الأمر الذي دفع الغزيين إلى البحث عن بدائل، ولو كانت غير صحية تماماً.
لم يخطر ببال الناس هنا أنهم بعد سنوات الحصار سيعودون إلى استخدام الجفت (بذور الزيتون المخلوطة ببقايا الزيتون بعد عصره)، لكنّ الشاب محمد، ابن الـ25عاماً، اهتدى إلى طريقة استخدمها آخرون قبل سنوات لصناعة الحطب من «الجفت».
محمّد، الذي اعتاد زيارة معصرة الزيتون حيث يعمل والده منذ كان طفلاً، يراقب مراحل تصنيع زيت الزيتون، ويلحظ أنّ «الجفت» الناتج منها يستخدم لتسخين المياه اللازمة لتحليل زيت الزيتون قبل أن يصبح جاهزاً للاستعمال.
وكان هذا الشاب قد قرّر في 2008، نتيجة أزمة الوقود المتكرّرة، العثور على طريقة للاستفادة من هذا «الجفت»، فما كان منه إلا أن ابتكر وسيلة لتحويل «الجفت» إلى حطب يصلح للاستخدام. يقول محمد: «بسبب انقطاع الوقود الصناعي، واضطرار الناس إلى قطع الأشجار واستخدام خشبها حطباً، حاولت إيجاد طاقة بديلة... انتبهت إلى فكرة صناعة الحطب من الجفت وتطوير هذه المادة الخام، وتحويلها إلى مادة يمكن استخدامها بسهولة كوقود».
يتابع محمّد حديثه شارحاً المراحل التي تمرّ بها صناعة «الجفت»: «نجمع مخلفات الزيتون، من عجم ولب الزيتون وغيره، ثمّ نعجنها داخل خلاطات معصرة الزيتون»، وبعد ذلك يجري ضغطها «كبسها» في مكبس صنع خصوصاً لذلك، «ثمّ تترك تحت الشمس لتجف، وأخيراً يجري تكوينها بأشكال وقطع مختلفة الحجم لتغدو قابلة للاستعمال».
أمّا عن الآلة التي يعمل عليها، فيقول إنّه تعلّم صناعة زيت الزيتون منذ صغره بحكم امتلاك والده للمعصرة، واعتاد استعمال الآلات المستخدمة في المعصرة، ليستوحي منها آلته الجديدة، التي جعلها مكوّنة من قسمين: الخلاط، ويعمل على خلط «الجفت» بالماء حتى تتماسك المادّة، والمكبس، الذي يوضع به الخليط لمنحه شكله النهائي.
في ظلّ أزمة الوقود الخانقة في القطاع، قد يكون «الجفت» بديلاً مؤقتا لأبناء القطاع، فهم يرون أنه يعطي طاقة نظيفة وغير ملوّثة للبيئة، كذلك فإنّه رخيص الثمن، إذ يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد منه 2 شيكل (0.5 دولار). ويضيف آخرون جربوه أنّه يحترق لمدّة أطول من الفحم الحجري أو الخشبي، ما يجعله بديلاً جيداً للغاز لدى أصحاب الأفران (المخابز)، وهو أيضاً وسيلة سهلة الاستعمال يمكن أن تكون بمتناول سكّان الريف والمناطق القروية للاستعمالات المنزليّة.