بعدما كان يفترض أن تكون اللقاءات التي عقدها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مع وزير ماليته يائير لابيد، ومن بعده وزيرة القضاء تسيبي ليفني، مدخلاً إلى حلّ الأزمات التي تواجهها الحكومة، تحوّلت هذه اللقاءات إلى عامل تفجير إضافي وضعت حداً للحكومة والكنيست. فقد أعلن نتنياهو، خلال مؤتمر صحافي أمس، عزمه حل الكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكرة، وهو القرار الذي اتخذه بعدما أقال لابيد وليفني، متهماً إياهما بالعمل على تقويض سلطته.
لم يجد نتنياهو قضية أساسية يقدمها إلى الجمهور في تبرير الانتخابات المبكرة بعد أقل من سنتين على انتخابات سبقتها، إذ خلا مؤتمره من عرض قضايا تحتل اهتمامات الجمهور، إن على المستوى الاقتصادي أو السياسي، أو حتى الأمني. فأكثر كلامه كان عن انتقاد أداء الوزيرين المقالين، معتبراً أنه «بوجود الحكومة الحالية، لا يمكن قيادة الدولة». ووصف الحكومة التي يعمل «وزراء ضدّها» بالأمر السيّئ جداً. وقال إن لابيد أخفق في إدارة الاقتصاد خلال توليه المالية، فيما وصف ليفني بأنها «آخر من يعظ بتحمّل المسؤولية».
استناداً إلى التقارير الإسرائيلية، عكست طبيعة الشروط التي وضعها نتنياهو أمام لابيد توجهاً متعمّداً لحشره في الزاوية من أجل إحراجه، ثم إخراجه من الحكومة، وخصوصاً أنه يعلم أن بعض المطالب (مثل رفض أي زيادة على ضريبة القيمة المضافة) لا يستطيع الأخير قبولها، وهذا تعبير عن خيار مدروس أعدّ له رئيس الحكومة.
وكان نتنياهو قد وضع أمام لابيد خمسة شروط: وقف هجماته على الحكومة بما في ذلك انتقاد البناء الاستيطاني شرقي القدس وبشأن العلاقات مع واشنطن، وأيضاً نقل ستة مليارات شيكل إلى الموازنة الأمنية، وتمرير موازنة إضافية لنقل ثكن الجيش إلى جنوب الأراضي المحتلة، وليس أخيراً دعم قانون «يهودية الدولة»، ثم تجميد إلغاء «القيمة المضافة» على شراء الشقق السكنية. لكن لابيد ردّ بأسلوب لاذع، وتقول التقارير إنه هاجمه بالقول: «هذه شروط لن نوافق عليها... أنت تخرق الاتفاقات التي التزمتها، وتمس مواطني الدولة... لا أعرف رئيس حكومة مثلك يخل بثقة المشاركين والمواطنين».
مع ذلك، فإن إقالة وزراء من الحكومة ما كانت لتؤدي إلى انتخابات مبكرة إلا في حال العجز عن تشكيل حكومة بديلة، وبعبارة أخرى نتيجة لرفض الأحزاب المرشحة لذلك في الكنيست، المشاركة في حكومة، وفي هذه الحالة تتجه البوصلة حكماً إلى الأحزاب الحريدية. ورغم أن وجهة إسرائيل باتت نحو الانتخابات، ينبغي القول إن مصلحة نتنياهو الابتدائية كانت وتظل التمهل في تقديم الانتخابات، وخصوصاً أن ولاية الحكومة القانونية تستمر حتى عام 2017. ولكن توالي الأزمات بين أطرافها جعل استمرار التعايش بينها متعذراً لفقدان الثقة.
كذلك يمكن القول إنه خلال الأسابيع الأخيرة تحول أداء الوزراء إلى حالة تشبه وضع الانتخابات على الأبواب، فبات الهم الأساسي لهم منافسة الخصم، وهو ما انعكس في مواقفهم التي باتت أقرب إلى الشعبوية. الأمر نفسه ينطبق على نتنياهو الذي بات يتصرف على أساس أن لديه منافسين يمينيين، ويحاول أن يلتف عليهم بمزيد من التشدّد!
أيضاً، فإنه من المؤكد أن مصلحة رئيس حزب «يوجد مستقبل»، لابيد، تكمن في ألا تجرى انتخابات مبكرة خلال هذه المرحلة، وخصوصاً أن استطلاعات الرأي كلها تؤكد تراجع تمثيله في الكنيست المقبل. وهو حاول التعويض عن ذلك برفع شعارات اقتصادية تحظى برضا الجمهور. كذلك فإن المصلحة نفسها تنسحب على ليفني (حزب الحركة)، التي وفق الاستطلاعات قد تختفي عن الخريطة السياسية، أو يتقلص عدد مقاعد حزبها الذي يملك حالياً سبعة أعضاء.
في كل الأحوال، باتت حكومة نتنياهو بعد قرار الانتخابات المبكرة «حكومة انتقالية» من الناحية العملية.بعد قرار الانتخابات المبكرة «حكومة انتقالية»
وبمعنى آخر، باتت الاعتبارات المصلحية و«الجماهيرية» العامل المهيمن على قرارات أطرافها، الأمر الذي سينعكس على أدائهم خلال ما تبقى من عمرها، لذا سيستغل نتنياهو المرحلة الانتقالية لإعادة الناخبين اليمينيين إلى حزب «الليكود». لكن الحكومة الانتقالية لا تعني بالضرورة حكومة مشلولة، من الناحية القانونية أو العملية. فقد سبق لإيهود باراك، وأيضاً لإيهود أولمرت، أن حاولا التوصل إلى اتفاقات سياسية شاملة مع الفلسطينيين، خلال المراحل الانتقالية.
وفي ظل التوجه نحو الانتخابات، لم يعد هناك إمكانية عملية للمصادقة على موازنة عام 2015، وهو ما ستترتب عليه نتائج اقتصادية سلبية. ورأت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن ذلك سيجبر الجيش على وقف عمليات الأمن الحالية والتدريبات والاتفاقات الموقع عليها. وكانت ليفني قد عقبت على لقائها مع نتنياهو، قبل إقالتها، بالقول إنه كان من الواضح لها، منذ منتصف ليل أول من أمس، «أننا نسير نحو الانتخابات». وأضافت أنها أتت ورئيس الحكومة من البيت السياسي نفسه، لكن «من الواضح الآن أننا في طريقين مختلفين: الصهيونية في مقابل المتطرفين».