الانجازات الميدانية للجيش السوري وحلفائه استنفرت أعداء سوريا الذين بدأوا يستشعرون خطر مفاعيلها على ضياع الرهانات التي طالما عقدوا الامال عليها في سوريا والمنطقة. بعد التهديد والتهويل الاميركي والتركي والسعودي بالتدخل البري في سوريا، انضمت تل أبيب الى محور المتضررين وأعلنت عن استعدادها بأن تكون جزء من المخطط الخليجي والاقليمي المضاد إزاء الوضع المستجد في سوريا. اقترنت هذه المواقف مع تقارير اسرائيلية رأت أنّ تل أبيب تتجه نحو قرار حاسم يدفعها للتخلي عن سياسة «الوقوف على الجدار» والانتقال الى مرحلة المبادرة خاصة وأن الخطر على اسرائيل، لا يتمحور فقط حول هوية وتوجهات من يحكم في دمشق وانما يمتد أيضاً نحو تموضع حزب الله وقوات إيرانية في جنوب سوريا، مقابل الجولان المحتل.انتقلت إسرائيل من مرحلة الترويج للمصالح والتهديدات المشتركة التي تجمع بينها وبين السعودية وبقية الدول الخليجية والاقليمية، الى مرحلة طرح العمل على استراتيجية مشتركة مع الانظمة الخليجية ازاء الوضع في سوريا. يأتي ذلك، بعدما اقتصرت السياسة الإسرائيلية منذ بدء الاحداث في سوريا على توجيه الضربات من فترة الى اخرى ضد حزب الله ونقاط الجيش السوري. وهي السياسة التي عبّر عنها وزير الأمن الاسرائيلي موشيه يعلون، خلال كلمته في مؤتمر الأمن في ميونيخ، بالقول إن «إسرائيل قررت اتباع سياسة عدم التدخل في ما يجري في سوريا بعيداً عن القضايا الانسانية، ولكنها حددت خطوطاً حمراء» في اشارة الى الاعتداءات التي نفذتها وتنفذها ضد ما تقول إنه عمليات نقل صواريخ نوعية في طريقها الى حزب الله في لبنان، وضد عمليات بناء بنية تحتية للمقاومة في الجولان.
وكرّر يعلون الحديث عن «المصالح المشتركة بين اسرائيل ودول الخليج وشمال افريقيا»، لافتاً الى «عدم امكانية اجراء لقاءات علنية» مع هذه الجهات. وكتعبير عن أن القضية تتعلق فقط بعلنية اللقاءات كشف أن إسرائيل «تجري لقاءات مع هذه الدول في غرف مغلقة»، مشدداً على أن إيران والاخوان المسلمون هم أعداء لإسرائيل والدول «السنية» التي لا تصافحنا علناً.
المسألة بالنسبة إلى إسرائيل ليست فقط من يجلس في دمشق

في المقابل، أكد رئيس الاستخبارات السعودية السابق، الامير تركي الفيصل، على صحة مواقف يعلون إزاء إيران والاخوان المسلمين، لكنه اعتبر ايضاً بأن «مصافحة الاسرائيليين لم تجدي الفلسطينيين». رغم ذلك، اكدت تقارير اعلامية إسرائيلية أن الفيصل صافح يعلون بعد كلمة الاخير، «بودية وتبادلا الابتسامات الحارّة التي قد تشير إلى معرفة مسبقة».
وحول الموقف من إيران، أكد يعلون خلال كلمته في مؤتمر ميونيخ، بأن إسرائيل تأخذ موقف الجمهورية الاسلامية حول إزالة اسرائيل عن الخارطة بجدية. ووصف انتصار «محور طهران وبغداد ودمشق وبيروت»، بمثابة «كابوس للشرق الاوسط»، محذراً من المخاطر التي ينطوي عليها ازاء المنطقة والعالم. وحذر من أن ايران تواصل تسليح المنظمات «الارهابية» في المنطقة، في اشارة الى حركات المقاومة في لبنان وفلسطين.
في ما يتعلق بمستقبل الوضع السوري، أعرب عن تشاؤمه إزاء احتمال تطبيق وقف اطلاق النار، مؤكداً على أننا سنواجه فترة طويلة من عدم الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط. وبدا يعلون كما لو أنه يعرض ما تطمح اليه اسرائيل على الساحة السورية، ودعا الى ضرورة الكف عن التفكير بأنه من الممكن اعادة توحيد سوريا، مستدلاً بالمقولة التي يكررها على الدوام «من الممكن ان نصنع عجة من بيضة، ولكن من غير الممكن إعادة العجة بيضة». ورأى أن ما سنشهده في سوريا هو عبارة عن جيوب كثيرة «للعلويين، والاكراد السوريين، ومجموعات اثنية اخرى، الذين أما سيتعاونون أو سيتقاتلون».
في سياق متصل، التقى يعلون بالملك الاردني عبد الله، على هامش مؤتمر الامن في ميونيخ، وصفته مصادر امنية اسرائيلية بلقاء «هام جداً». وبحسب بيان صادر عن وزارة الامن الاسرائيلية بحث الطرفان في «القضايا الثنائية، والتطورات الاخيرة في الشرق الاوسط وامكانية دفع عملية السلام بين اسرائيل والفلسطينيين». ووصف موقع «يديعوت احرونوت» الالكتروني، اللقاء الذي لم يتم نشر أي صورة عنه، بأنه «استثنائي جداً، على الاقل لجهة علنيته، بين شخصية امنية اسرائيلية رفيعة وبين ملك الاردن». وأضاف الموقع بأن لقاءات التنسيق بين اجهزة الامن الاسرائيلية والنظام الاردني متواصلة على ضفتي نهر الاردن، لكن من دون تغطيتها اعلامياً حتى لا تستغل من قبل معارضين النظام الملكي والعلاقات الامنية مع اسرائيل. ورأت الصحيفة أنه «يمكن الافتراض بأن المحادثات تناولت مسألة المثلث الحدودي ومنطقة درعا، فإسرائيل والاردن تنظران الى جبهة الجولان بقلق متزايد».
من جهة أخرى، رأى معلق الشؤون العسكرية في الصحيفة اليكس فيشمان أنه بعد التطورات الميدانية التي تشهدها وستشهدها الساحة السورية، ستجد اسرائيل نفسها مضطرة للنزول عن السياج الذي جلست عليه لخمس سنوات. ولفت الى أن المسألة بالنسبة لاسرائيل «ليس فقط من يجلس في دمشق، وانما بالاساس، من سيجلس في هضبة الجولان، ومن هي القوات التي ستنتشر هناك، وفق أي ظروف، وحسب اي اتفاقيات، وماذا سيكون تأثير ايران وحزب الله على هذه الجبهة». وأضاف أن عيون العالم تتجه الآن الى المعارك التي يخوضها الجيش السوري، بمساعدة روسية، حول مدينة حلب والتي سيكون لها تأثير حاسم على مستقبل النظام ووضع الجماعات المسلحة. الى ذلك، رأى فيشمان أن تحقيق النظام انتصارات نوعية في الجنوب سيجعل كل النظرية السياسية الاسرائيلية في سوريا، موضع اختبار. ولفت الى أنه «في حال عدم التوصل الى تفاهمات بين اسرائيل وروسيا حول مستقبل الجولان بعد استقرار الاوضاع في سوريا، فإن السياسة الاسرائيلية ستساوي قشرة بصل». وحذر ايضاً من أنه «في حال لم تنسق اسرائيل مع الولايات المتحدة حول الموقف الذي ستقدمه الاخيرة خلال المحادثات حول المصالحة السورية، ازاء الظروف العسكرية التي ستسود في هضبة الجولان السورية، فلن يكون ذلك مجرد اخفاق سياسي، وانما دعوة لمواجهة مسلحة». وختم معلق الشؤون العسكرية بالقول إن «إسرائيل لم تتوصل ايضاً الى تفاهم مع القوى العظمى حول الجولان، ولا يوجد اي سبب يمنع وصول رجال حزب الله وإيران الى هذه الجبهة بعد عودة الجيش السوري اليها. تماما كما لا يوجد اي سبب يضمن بقاء اتفاقيات وقف اطلاق النار وفصل القوات التي سادت على الحدود السورية، حتى اندلاع الحرب الاهلية، على حالها السابق».