رفع جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال العام الحالي سقف تعاونه مع مجموعات المعارضة المسلحة في محافظة القنيطرة، من ضمنها «جبهة النصرة» و«حركة المثنى» المتشددة. وتطوّر التعاون الذي يعترف به الإعلام الإسرائيلي من علاج الجرحى وتقديم المساعدات الإغاثية والمعلومات وأجهزة الاتصال والتشويش على الجيش السوري، إلى تقديم الذخيرة الناعمة والصواريخ والبنادق، ثم المشاركة الميدانية عبر القصف المدفعي والجوي لنقاط ومواقع حساسة للجيش، ما سهل على المسلحين السيطرة عليها.
وساهم جيش العدو ميدانياً في إسقاط عددٍ من المواقع بينها التلول الحمر الشرقية والغربية وتل جابية ومعبر القنيطرة والمدينة المهدمة، وأمنياً في إسقاط تل الحارة الاستراتيجي. وفي الوقت الذي تضطلع فيه «النصرة» بدور «الرقيب الأمني» على تقويم الجرحى الذين تعالجهم إسرائيل (كما كشف الاعلام العبري)، تشترط شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) على المسلحين حصولها على الصواريخ المضادة للطائرات التي غنموها من مواقع الدفاع الجوي السوري، ما دفع بالمسلحين إلى تبادل تهم العمالة على خلفية عدم إسقاط أي طائرة سورية في درعا والقنيطرة.
وبدا في الآونة الأخيرة، أن إسرائيل تمكّنت بعد سيطرة «النصرة» على قرية الحميدية ومعبر القنيطرة من خلق منطقة عازلة يحكمها التنظيم، في شريط ضيق على طول الحدود مع الجولان المحتل، من دون بلدة حضر في القطاع الشمالي من القنيطرة مقابل مجدل شمس المحتلة. وبالتالي، أبعدت عنها الجيش السوري واستطراداً حلفاءه، أي حزب الله. وتابعت أجهزة الأمن السورية واللبنانية وجهاز أمن المقاومة احتمالات استخدام إسرائيل لواقع المنطقة العازلة كجزء من الضغط على مدينة دمشق، وكمعبر للمسلحين باتجاه الجنوب اللبناني عبر جبل الشيخ، لإرباك الجنوب والضغط على حزب الله وحماية الجليل من الخلف، إذا قرر حزب الله تنفيذ تهديداته والدخول إلى الجليل في أي معركة مقبلة مع إسرائيل.

تغيّر السلوك الإسرائيلي

قبل أسبوعين، أعلنت فصائل المعارضة و«النصرة» في القنيطرة ما سمته معركة «نصر من الله وفتح قريب» للسيطرة على مدينتي خان أرنبة والبعث. وعلى مدى ثلاثة أيام، لم يتمكن المهاجمون من إحداث أي خرق في دفاعات الجيش وقوات الدفاع الوطني التي تسانده، فانتهت المعركة بالفشل.
لكن ما بدا لافتاً بالنسبة إلى مصادر عسكرية وأمنية متابعة، هو «امتناع جيش العدو عن تقديم الدعم الميداني للمسلحين في المعركة الأخيرة، مكتفياً بإدخال الجرحى إلى مستشفيي نهاريا وصفد في شمالي فلسطين المحتلة»، في مقابل الضغط الذي يتعرّض له المسلحون أخيراً على يد «المجلس العسكري» و«غرفة العمليات المشتركة في الأردن» لتحقيق إنجازات ميدانية تذكر في درعا والقنيطرة، وحصولهم على بعض الأسلحة الجديدة ودخول مسلحين مدرَبين تحت إشراف مدرِبين أميركيين.
تغيّر السلوك الإسرائيلي في التعامل مع واقع منطقة عازلة في الجنوب، لا يخضع لعامل واحد. في ميدان القنيطرة، الجيش السوري لم يترك المسلحين يرتاحون في المناطق التي يسيطرون عليها عبر القصف وضرب تجمعاتهم، ومحاولات التقدم واستعادة المناطق التي يخسرها، بالإضافة إلى قصف مواقعهم الملاصقة للشريط الحدودي بصواريخ أرض ــ أرض حديثة من مناطق بعيدة نسبياً، وقد أصابت أهدافها بدقّة، وهذه رسالة ميدانية لإسرائيل تتعدّى الاشتباك اليومي مع المسلحين. وفي المقبل من الأيام، يستعد الجيش للبدء بحسم مسألة مخيم خان الشيح الذي يعدّ عقدة استراتيجية لوصل القنيطرة بريف دمشق وقطع خطوط إمداد المسلحين من وإلى القنيطرة وجبل الشيخ. وكذلك عاد الجيش منذ مدة إلى الطلعات الجوية الحربية والاستعلامية فوق الجولان، على الرغم من إسقاط جيش الاحتلال إحدى الطائرات الحربية قبل أشهر بصاروخ باتريوت، وبعدها إسقاط طائرة من دون طيار بصاروخ مماثل. وعودة سيطرة الجيش السوري على المناطق المحاذية للجولان، ليست خافية على إسرائيل، إذ أشارت تقارير إعلامية إسرائيلية الأسبوع الماضي إلى أن قوات الاحتلال «تستعدّ للقتال على الحدود السورية، وهي أجرت مناورة، جزء منها حاكى أنشطة سرّية للوحدات الإسرائيلية في مواقع خلف خطوط العدو».
أما في الميدان اللبناني، فتلقى جيش الاحتلال في مزارع شبعا رسالة قاسية بتفجير عبوة استهدفت إحدى دوريّاته قبل نحو شهرين كرسالة ردع وتحدٍّ من قبل المقاومة، فضلاً عن أن إعداد أرضية مقاتلة من أبناء قرى جبل الشيخ في مقلبيه السوري واللبناني بدأ بالفعل قبل أشهر، وعلى ما يظهر من مؤشرات، فإن منطقة حاصبيا لن تكون في الواقع الميداني مختلفة عن القرى الجنوبية الأخرى في أي حرب مقبلة.
امتنع الإسرائيلي في المعارك الأخيرة عن تقديم الدعم الميداني لمسلحي «النصرة»



وعلى الرغم من اعتماد أساليب مشابهة لعمل جهاز الـ 504 في بناء العملاء وتدريبهم ونسج شبكاتهم، تبدو مهمة إسرائيل في بناء جيش مشابه لـ«جيش لحد اللبناني» على الأراضي السورية صعبة، بسبب إمساك المسلحين الأجانب من جنسيات تونسية وسعودية وأردنية بالأرض. مع العلم، بأن المنطقة التي يسيطر عليها المسلحون على امتداد الشريط الحدودي مع الجولان المحتل، يقطنها عدد قليل من المواطنين السوريين، وفضلا عن بلدات الرفيد وسحم الجولان وجباتا الخشب، تبدو المنطقة خالية من السكان، في مقابل سيطرة الدولة السورية على مدينتي البعث وخان أرنبة وحضر.

تمرّد بسبب دعم «النصرة»

ليس هذا فحسب، إذ أدت معركة جبل الشيخ الأخيرة بين «الدفاع الوطني» و«اللجان الشعبية» ومسلحي «النصرة» دوراً في تحريض كبار الضباط الدروز في الجيش الإسرائيلي على الاعتراض على دعم إسرائيل لـ«النصرة».
إذ لم يقتصر الامتعاض والغضب اللذان سببهما سقوط أكثر من 40 شاباً من قرى جبل الشيخ، على قيام أهالي القرى الدرزية في الكرمل والجليل بالتظاهر ضدّ معالجة جرحى «النصرة» ودعمهم للسيطرة على القنيطرة وقرى جبل الشيخ، بل وصل الأمر بعددٍ من الجنود والضباط الدروز في الجيش الإسرائيلي، معظمهم خاض معارك غزّة الأخيرة ضدّ المقاومة الفلسطينية ضمن ألوية النخبة، إلى التهديد بالدخول إلى القنيطرة وقتال «النصرة».
وفي مطلع ردّه على سؤال أحد السياسيين اللبنانيين عن احتمالات انعكاس الواقع في القنيطرة على الجنوب اللبناني، ردّ السفير الأميركي في بيروت ديفيد هيل بالتأكيد على أن «إسرائيل أسقطت من حساباتها إقامة منطقة عازلة على حدودها بسبب قيام ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي يقودهم ضابط كبير تعرّض للإصابة في غزّة (العميد غسان عليان) بالتهديد بضرب النصرة». ويضيف هيل أن الضباط تواصلوا مع رئاسة الأركان الإسرائيلية وأبلغوها قرار مهاجمة «النصرة»، التي نقلت بدورها الأمر إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. وبحسب السفير الأميركي، فإن مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر اتخذ قراراً سرياً بوقف العمل على إقامة المنطقة العازلة، والبدء بتخفيف الدعم لـ«النصرة». وطمأن السفير محدثّه بأن لا خطر على القرى في الجنوب وجبل الشيخ من «النصرة»، بسبب «توزيع حزب الله والحزب القومي السلاح على الأهالي وتدريبهم»!




استعادة الشيخ مسكين ضرورية

يبدو الجيش السوري مصمّماً على استعادة مدينة الشيخ مسكين في الريف الغربي لمدينة درعا. وتمكّن الجيش في الأيام الماضية من السيطرة على أغلب أحياء المدينة وحصر المسلحين في الحي الشمالي، مستخدماً صنوفا جديدة من السلاح وغارات كثيفة من سلاح الجو على مواقع المسلحين في منطقة الجيدور (غرب درعا) وخطوط إمدادهم. وتُبعد سيطرة الجيش على الشيخ مسكين خطر القيام بتغيير قواعد اللعبة وتهديد دمشق من الجنوب، ربطاً بالتصريحات الفرنسية وتصريحات المعارضين عن منطقة عازلة، تمتد من الحدود الأردنية وصولاً إلى مدينة الصنمين في الريف الشمالي الغربي. وبدا لافتاً قرار «جبهة ثوار سوريا» وفصائل أخرى تتبع لـ«المجلس العسكري»، أول من أمس، بقطع التنسيق مع «النصرة» في الجبهة الجنوبية، في خضمّ معركة الشيخ مسكين، وما يعنيه ذلك عن تشرذم قوات المعارضة في الجنوب.