دمشق | أطلقت السلطات السورية مرحلة جديدة ضمن ملف المصالحة الوطنية. عنوان المرحلة تفعيل المصالحة التي أُقرّت منذ ما يقارب 10 أشهر في يلدا، الواقعة ضمن ريف دمشق الجنوبي. وأتت محاولة الدولة السورية في إطار توفير ضمانة للأهالي، بعد وضع المصالحة، سابقاً، على المحك، وصمودها طيلة أشهر. هدف المصالحة الانفتاح على منطقة السيدة زينب، باعتبار الأراضي الزراعية متداخلة بين البلدتين، ومزارعيها يلتقون في أراضٍ متجاورة.
وبإقرار المصالحة يتمكن الأهالي من العودة إلى المنطقة ومناطق من ببيلا وفتح الطرق وإعادة الخدمات. الاجتماع الحاصل بين وجهاء من مناطق يلدا وببيلا وبيت سحم والسيدة زينب، ضمن مبنى محافظة ريف دمشق، حصل برعاية كاملة للجيش السوري وضباطه المشرفين على تفاصيل المصالحة الوطنية، في غياب دور واضح لوزارة المصالحة الوطنية التي تغيّب وزيرها عن الاجتماع.
السلطات السورية قدّمت بادرة حسن نية بإطلاق ستة موقوفين، بينهم امرأة، بعد خطوة أهل المنطقة بطرد المسلحين باتجاه منطقة الحجر الأسود المجاورة، ما يعني عزل المنطقة عن محيطها المسلح في مخيم اليرموك والحجر الأسود. أحد الوجهاء عاتب محافظ ريف دمشق قائلاً: «لو أطلقتم 12 موقوفاً، لكان ذلك متّن الثقة بيننا». فأجاب المحافظ ممازحاً: «لو أطلقنا 12 موقوفاً، لطالبتَنا بإطلاق 24 منهم. إنها مجرد خطوة أولى ستعقبها الكثير من الخطوات على طريق الحل». مثلث صغير مجاور لوسط واسع من مناطق سيطرة كتائب مختلفة من المسلحين، سيحاول ضمان عدم تخريب المصالحة، والالتزام بالاتفاق في مقابل الدولة وممثليها وضباط جيشها. الأهالي الذين دفعوا ضريبة طرد عناصر من «النصرة» و«الدولة الإسلامية» عن منطقتهم، دماء وأرزاقاً، يحاولون ضمان استمرار المصالحة ضد مسلحي المناطق المجاورة. رئيس لجنة المصالحة في يلدا، الشيخ صالح الخطيب، أكد في تصريح صحافي أن الأهالي قاموا بإجراءات أمنية تُعنى بحماية منطقتهم، ضمن متاريس ومحارس بإشراف الجيش السوري.
السلطات أطلقت ستة موقوفين بعد طرد المسلحين باتجاه الحجر الأسود
وأشار إلى أنّ هنالك «خطوات عدة لتنظيم حمَلة السلاح من اللجان المدافعة عن المنطقة برعاية الدولة السورية». وأضاف الخطيب في اعتراف لافت بأنه «عندما تيقنَا أن كل السبل مسدودة أمامنا، وليس أمامنا خيار آخر، جلسنا إلى طاولة المفاوضات في محاولة للعودة إلى حماية الدولة». بدوره، لفت رئيس هيئة اللجان الاجتماعية في منطقة السيدة زينب، الشيخ أيمن الحكيم، إلى أن «أبناء منطقة السيدة زينب لم يلجأوا، في الأساس، إلى العدوان على جيرانهم، بل إن عناصر الجيش من أبناء المنطقة كانوا عرضة للخطف والقتل طوال السنوات الثلاث الماضية، على يد مسلحين يأوون إلى الجوار». وأمل الحكيم تكريس عودة أفضل العلاقات بين أبناء الأحياء المتجاورة، خلال الأيام المقبلة.
محافظ ريف دمشق، حسين مخلوف، أجاب عن استفسارات الصحافيين حول حقيقة عدم تلطخ أيدي المفرج عنهم بالدماء، بقوله: «بعضهم حمل السلاح فعلاً، إنما المطلوب من الدولة المرونة تجاه الوضع القائم، لإيجاد الحلول المناسبة». ثورة أبناء المنطقة على تنظيم «داعش» و«جبهة النصرة»، تشفع لهم عند الدولة التي تحاول استقطاب أبنائها واحتواءهم مجدداً، حيث يؤكد مخلوف أن أولى خطوات استرجاع سيادة الدولة على هذه المناطق هو التعليم وفق مناهج الدولة السورية. وتليها خطوات لاحقة تتعلق بالطبابة والبنى التحتية والصيانة وإعادة بقية الخدمات، حسب قول المحافظ. وأكد أحد وجهاء يلدا لـ«الأخبار» أن المصالحة ضرورة لعودة الاستقرار إلى المنطقة المنكوبة، مشيراً إلى تفاوت الثقة بتطبيق بنود الاتفاق مع السلطات بين جهة أمنية وأُخرى، فيما يحسن معظم الأهالي الظن بالجيش السوري، على الرغم من ارتباط بعضهم بعلاقة قرابة مع مسلحين في المنطقة، بحسب تعبيره.