القاهرة | عاد المرشح الرئاسي السابق، حمدين صباحي، إلى المشهد المصري من جديد، لكن بالتدريج. هو الذي بقي وحيداً في منافسة عبد الفتاح السيسي على كرسي الرئاسة في موقف حمل وجهين: وجه الخضوع لإملاء ملء السباق، أو الإصرار على مواجهة النتيجة أياً كانت. في كل الأحوال، عودة صباحي اليوم جاءت في وضع مختلف، فانتقاده حكم مبارك كان تدريجياً، عبر تويتر أولاً، ثم مؤتمر صحافي مشترك تبعته مؤتمرات أخرى.
وأعلى مواقفه أنه وصف يوم النطق بالحكم بحق مبارك بـ«اليوم الأسود في تاريخ مصر»، لكن هذا يعرضه للمحاكمة بتهمة «إهانة القضاة»، وتصل عقوبة الحبس فيها وحدها إلى ثلاث سنوات.
من ناحية التفاعل الثوري، شارك صباحي مع قوى وتيارات مناهضة لمبارك في مؤتمر، قبل أيام، أعلن فيه دعمه «التحركات السلمية» في الشارع لمناهضة الحكم، وهي الدعوة التي رآها معارضو صباحي مخالفة لقانون التظاهر، لأنها تحثّ الشباب على الخروج إلى الشارع. كذلك لاقت تصريحاته اعتراضاً من أنصار السيسي ومبارك الذين شنوا هجوماً لاذعاً عليه، مؤكدين أن كلامه يؤكد «أنه لم يكن ليصلح لمنصب رئيس الجمهورية الذي يجب أن يتصف بالحكمة في التعامل مع الأمور، وعدم التصريح بما لا يتفق مع رجل الدولة الذي يتحمل المسؤولية».
أيضاً، أول من أمس، تقدم محامٍ يُدعى سمير صبري، المعروف بإقامة الدعاوى ضد المشهورين، ببلاغ ضد صباحي إلى النائب العام، اتهمه فيه «بالتخطيط للتظاهرات التي تخرج معارضة للحكم القضائي وتحدث الفوضى»، مع المطالبة بتطبيق أقصى عقوبة وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية الذي يقرر عقوبة الحبس المؤبد لمن يثبت تورطه في وضع قانوني مشابه.
ومع أن احتمالات تعرض مؤسس «التيار الشعبي» للسجن حتى الآن ضعيفة في ظل غياب أي خطوات فعلية للتحقيق في البلاغات ضده، لكن هذه الزوبعة تعيد إلى الأذهان ما حدث مع مؤسس حزب «الغد»، أيمن نور، الذي تعرض للحبس بعدما حلّ وصيفاً للرئيس المخلوع، مبارك، في انتخابات 2005.
سابقاً، عانى حمدين ورفاقه الخنق في عهد مبارك على مدار سنوات بسبب الانتقادات التي كان يوجهها إلى نظام الحكم، لدرجة التدخل لإحباط صعود الرجل في انتخابات مجلس الشعب عام 2010 داخل مسقط رأسه (بلطيم)، رغم الشعبية الجارفة التي يتمتع بها هناك. ومن المعلوم أنه كان من أوائل المشاركين في التحركات الميدانية خلال السنوات الماضية، وحل ثالثاً في انتخابات الرئاسة التي جرت عام 2012 وتنافس فيها 13 مرشحاً رئاسياً.
هنا يلحّ السؤال عن إمكانية أن يكون حمدين «رجل مرحلة» في ظل هذا التاريخ السابق من الصوت العالي ضد الحكم، فهو خرج من سباق الانتخابات، مشكلاً كتلة شبابية باسم «التيار الشعبي» شارك فيها بجمع استمارات «تمرد» التي حركت الشارع ضد الرئيس المعزول، محمد مرسي. لكنه بعد خسارته أمام السيسي، حرص على إظهار دعمه للنظام الجديد، وخاصة في القرارات المتعلقة بمكافحة «الإرهاب» والتصدي لأعمال العنف. وإن اختفى عن المشهد، فإنه ظل يطالب من تحت الطاولة بإلغاء قانون التظاهر والإفراج عن الشباب المعتقلين، ثم صار يردد هذه المطالب في لقاءاته علناً، وأخيراً كان انتقاده «براءة مبارك» أقصى ما وجهه إلى السلطة منذ صعود السيسي.
على ناحية أخرى، رحب أنصار صباحي بتصريحاته، بل رأوها معبرة عن «روحه الثورية والتحامه بالمواطنين البسطاء الذين شعروا بخيبة الأمل في قضية مبارك». مع هذا، أتته انتقادات من بعض من أيدوه في انتخابات 2012، وخاصة القيادات الناصرية الداعمة للسيسي، وكان العنوان أن «صباحي يريد العودة إلى الأضواء مجدداً، أو الحصول على دعم الشباب الرافضين لنتيجة الحكم على مبارك من أجل اعتبارات أخرى».
في السياق، يرى عضو «التيار الشعبي»، وليد صلاح، أن كلام صباحي الأخير «عودة للتعبير عن رأي الجماهير»، مؤكداً أنهم يشعرون بأن حمدين «رجل دولة»، وإن كان «على المستوى الشخصي» لا يؤيد ترشح حمدين في أي انتخابات مقبلة أو حتى تولي منصب في الدولة، «لأن النظام المركب في مصر لن يساعده على النجاح». وعن رؤية التيار لما يمكن فعله في الميدان، يقول صلاح إن «طريقة تعامل النظام مع الشباب والقوى الذين حركوا الثورة على نظامي مبارك ومرسي، ثم ترك مبارك ومن معه يخرجون إلى الحرية، سلوك يؤكد وجود خلل في الدولة وبعداً عن الديموقراطية».
تعقيباً على أداء صباحي، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة حلوان، طارق عبد العليم، إن تحركات الرجل في الشارع «تأتي متلاصقة مع فكره السياسي... تصريحات حمدين جاءت في توقيتها، وهي رسالة إلى الشباب من الجهة، وإلى القائمين على السياسة من جهة أخرى». وبشأن انتقاد أداء صباحي، أضاف عبد العليم: «هي انتقادات تعبّر عن وجود تيارين في المجتمع المصري، الأول يدافع عن القضاء، باعتباره جزءاً من الدفاع عن الرئيس، والآخر يدرك حقيقة استحالة محكامة مبارك جنائياً وفقاً للقوانين الموجودة، ويرى أن الوقت مضى على محاسبته ويمكن إنهاء صفحة حكمه بمنع عائلته من الدخول في الميدان السياسي لاحقاً». لكنه رأى أن قضية البلاغات ستكون جزءاً من المناكفة السياسية، وخاصة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية، من أجل تقليل فرص المتنافسين في الشارع.