إدلب | بعد سيطرتها على معظم ريف إدلب شمال سوريا، وطردها «الجيش الحر» و«جبهة ثوار سوريا» منها، تسعى «جبهة النصرة» إلى بدء إعلان «إماراتها الإسلامية» في تلك المدن والبلدات، وتعيين أمراء لفرض شريعتها وقوانينها، كما تفعل في المناطق الواقعة تحت سيطرتها في المحافظات الأخرى، منافسة بذلك تنظيم «داعش» الذي فرض شريعته على مناطق سيطرته بقوة السّلاح، وجزّ الرقاب.
أولى خطوات تشريعات «النصرة» في بلدة دركوش، غربي إدلب، كانت قطع أصابع المدخنين، ومنع اختلاط الذكور والإناث في المدارس، إضافة إلى منع المعلّمين، من الذكور، تدريس الإناث، والعكس أيضاً. ومن ثمّ عمدت «النصرة» الى استبدال مواد التربية القوميّة، والرسم، والموسيقى، بمواد إسلاميّة. كذلك فرضت على أصحاب المحال التجاريّة إغلاق متاجرهم وقت الصلاة، والتوجّه إلى المساجد، تحت طائلة «العقوبة الشرعية» للمخالفين.
لا يقتصر الأمر على دركوش وحدها، فبعد سيطرة «النصرة» على مدينة سلقين، غربي إدلب، بأيّام قليلة، عمد أحد عناصرها الى اعتراض طريق إحدى الطالبات لارتدائها بنطالاًً عوض «الثوب الشرعيّ»، وهدّدها مصوّباً سلاحه نحوها، طالباً منها عدم الحضور إلى المدرسة دون ارتداء اللباس «المحتشم»، حسب تعبيره. وقد ذلك أدّى إلى انتفاض مجموعة من الأهالي الحاضرين، معترضين على فعلته، محاولين نزع سلاحه، قبل أن تتدخل إحدى دوريّات «النصرة» لتفضّ الاشتباك، وتعتقل عدداً من المواطنين.
هدّدت «النصرة»
بإغلاق المدارس
واعتقال الأطفال وهدم منازل المتظاهرين

وكانت «النصرة» قد أعلنت سيطرتها على معظم قرى وبلدات جبل الزاوية، وريف إدلب الجنوبي، بعد معاركها الأخيرة، والتي تمكّنت إثرها من السيطرة على بلدة دير سنبل، شرقي جبل الزاوية، معقل جمال معروف، قائد «جبهة ثوار سوريا» وصديق الغرب الذي يصفه بالقائد «المعتدل». لتبدأ بعد ذلك بتعيين أمراء مكلّفين بتطبيق «الشريعة»، فانطلقت الدعوات مطالبة الرجال بإطلاق اللحى، والنساء بارتداء العباءة «الشرعية»، وإعلان تطبيق حكم «الجلد» على كلّ فتاة تمشي دون رفقة «محرم».
وقد سبقت هذه الدعوات تظاهرات يوميّة قام بها أهالي جبل الزاوية، جنوبي إدلب، وبخاصّة النساء منهم، معترضين على ممارسات «النصرة» ومطالبين إياها بالخروج من بلدتهم، مخافة مصير مشابه لما لقيه أهالي البلدات الأخرى في ريف إدلب الغربي، حيث فرضت «النصرة» شريعتها ومنعت المواطنين من ممارسة حياتهم التي اعتادوها. وردّت «النصرة» على التظاهرات بإطلاق الرصاص، وتنفيذ حملات اعتقال بحقّ معظم رجال بلدات جبل الزاوية، في محاولة منها لإجبار النساء على الكفّ عن التظاهر، إلّا أنّ التظاهرات توسّعت لتشمل بلدتي احسم وكنصفرة شرقي جبل الزاوية، وبلدة سفوهن غربي معرّة النعمان. أحد أهالي بلدة الرامي، شمالي جبل الزاوية، قال لـ«الأخبار»: «لن نسمح للنصرة بفرض شريعتها علينا حتى لو اضطررنا إلى ترك منازلنا. نحن لا نستطيع مجابهتها بالسلاح لأننا لم نعد نملكه». وجرّاء ذلك قامت «النصرة» برفع مستوى تهديداتها بحق نساء القرى المنتفضة، فهدّدت بإغلاق المدارس واعتقال الأطفال، وهدم منازل المتظاهرين ضدّها. إلّا أنّ ذلك لم يمنع نساء بلدة احسم من الخروج في تظاهرة، وصفت بأنّها الأكبر حتى اليوم، رافعات شعار «الموت ولا المذلّة».
وفي سياق التظاهرات المناهضة «للنصرة»، يقول أحد أهالي بلدة احسم، (رجل خمسيني)، كانت «النصرة» قد قتلت أحد أولاده بعد اعتقاله في مدينة سلقين، بحجّة تواصله مع الجيش السوري: «لن ننسى ما فعلته «النصرة» عند جلدها رجلاً من مدينة سراقب عقوبة له لتزويجه ابنته قبل إتمام أيّام «عدّتها»، كما لن ننسى جرائمها في البلدات الأخرى، وقطع أرزاق الفقراء، وقتل الرافضين لوجودها. الإسلام دين يسر، وليس كما تصوّره لنا «النصرة». سنواصل التظاهر حتى تخرج من بلداتنا».