بغداد| بدأ ما يوصف بـ«التوافقات السياسية» في العراق ينسحب على مواضيع حساسة، يريد البعض من خلالها العبور بالبلاد إلى مرحلة جديدة، عنوانها الرئيسي محاولة القطيعة مع الولاية الثانية لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وفي هذا السياق، فإن أبرز ما يُعاد طرحه، راهناً، يرتبط بشخصيتين سياسيتين مركزيتين: النائب السابق لرئيس الجمهورية، طارق الهاشمي، ووزير المالية السابق، رافع العيساوي.
الهاشمي غادر العراق، هرباً، في أواخر شهر كانون الأول عام 2011، بعد توجيه تهم إليه مرتبطة بـ«الإرهاب»، فحوكم غيابياً وصدر بحقه قرار بالإعدام. رفضت تركيا، التي وصلها عبر إقليم كردستان، في ما بعد تسليمه للعراق، ما ساعد في ارتفاع حدة التوتر بين البلدين. وبرغم أن «الإنتربول» تحول إلى طرف في ملاحقته، لكنه بقي تحت حماية السلطات التركية. وواصل بإطلاق التصريحات المناهضة لحكومة المالكي، حتى أنه أعلن صراحة، قبل أشهر، في تغريدات عبر «تويتر»، مساندته لـ«داعش»، مطلقاً تسمية «الثوار».
ولم تكن أنقرة وحيدة في احتضان الهاشمي، وهو القيادي السابق في «الحزب الإسلامي العراقي»، بل أدّت الدوحة أيضاً دوراً في هذا الصدد، إضافة إلى غيرها من العواصم العربية التي كانت ترى أن في بغداد «حكومة شيعية» تزداد سلطويتها. ويتحدث نواب عراقيون عن أن نائب الرئيس العراقي السابق كان يدير مجموعات مسلحة، بتمويل خليجي.
انقلبت اليوم المعادلات السياسية في بغداد. وباتت تدور في الكواليس، بحسب مصادر لـ«الأخبار»، أحاديث عن مفاوضات تقودها شخصيات بارزة في كتل سياسية، يُعتبر الهاشمي مقرباً منها، مع مسؤولين لم تُحدد هوياتهم، وتهدف إلى التوصل إلى اتفاق بخصوص قضية الهاشمي، المُدان قضائياً.
وتشير المصادر إلى أنّ المخرج في ملف الهاشمي سيكون قضائياً، عبر إعادة المحاكمة، التي ستكون نتائجها معروفة سلفاً. لكن هل يعود الهاشمي إلى العراق، حتى في حال تبرئته؟ مصدر يجيب جازماً: إن «الهاشمي، وإن رفعت عنه التُّهم وتمت تبرئته، فإنه لن يعود إلى العراق»، دون التوضيح أكثر.
في مقابلة نشرتها صحيفة «القدس العربي» في شهر آب الماضي، أجاب الهاشمي عن سؤال: «كيف ترون القراءات التي تشير إلى أن خروج المالكي من المشهد السياسي ليس نهاية المطاف، فالعراق حتى الآن لا تتجه قاطرته نحو مسارها الطبيعي الذي يُسهم في استقرار البلاد؟»، قائلاً: «نعم هذا صحيح، فمعالجة أزمة العراق تحتاج لما هو أكثر من تغيير الوجوه، بل تغيير النهج والسياسات، وكما قلت سابقاً من المؤسف أن المؤشرات توحي أن (حيدر) العبادي ماضٍ حتى اللحظة على نفس نهج سياسة سلفه الفاشلة. ومتى حصل ذلك، فإن الخلف يتبع السلف في فشله وإخفاقه».
الشخصية الثانية (رافع العيساوي) ارتبط اسمها مباشرةً باندلاع أبرز أزمة سياسية في وجه حكومة نوري المالكي، الأزمة الحادة بين الحكومة والمحافظات الغربية، في عام 2013، التي أوصلت، ختاماً، إلى سقوط مدينة الموصل في شهر حزيران الماضي.
في الأول من شهر آذار 2013، أعلن رافع العيساوي استقالته من الحكومة العراقية، وقال أمام حشد من المحتجين، من على منصة في محافظة الأنبار: «جئت اليوم لأعلن استقالتي من الحكومة وأعلن براءتي منها أمامكم». وأضاف لاحقاً، في حديث إلى وكالة «رويترز»: «أكثر من 70 يوماً مرت على التظاهرات والحكومة لم تنفذ مطالب الجماهير. لم يشرفني أن أنتمي إلى حكومة طائفية تتعامل بمكيالين مع الشعب. أنا قررت أن أبقى مع أهلي».
تصاعد التوتر بين العيساوي وحكومة كان عضواً فيها، جاء على خلفية فتح ملفات مخالفات مالية وإدارية على علاقة به، لكن ظهر، لاحقاً، أن السبب الرئيسي تمثل باعتبار الوزير السابق أن دوره سيكون أكبر ضمن الحراك المناهض لحكومة بغداد. ومن المعروف أن اعتقال ‬‬‬‬الحرس الشخصي للعيساوي، في شهر كانون الأول 2012، أثار الاحتجاجات، ما يؤكد أنه كان في صلب الحراك الذي عرفته المحافظات الغربية. وقالت السلطات العراقية، في حينه، إن الحرس الشخصي للعيساوي اعترف بالضلوع في عمليات اغتيال نفذت بالتنسيق مع رجال أمن يعملون لدى طارق الهاشمي.
واستطراداً، جدير بالذكر أن العيساوي كان في مرحلة سبقت دخوله العمل السياسي المباشر، قائداً لما سمي «حركة حماس العراق الإسلامية»، التي كانت نشيطة في الأنبار.
مع تبدّل المشهد في بغداد اليوم، يبدو أن البعض يسعى إلى إعادة العيساوي إلى الواجهة وإخراجه من «مخبئه المجهول». وبحسب مصادر تحدثت لـ«الأخبار»، فإن العيساوي، ستُحل قضيته برغم تهم الفساد الموجهة إليه، وبرغم دوره في تأجيج الصراعات. وقد يعود وزير المالية السابق إلى شغل منصب مهم في الحكومة الحالية. ولدى السؤال عن طبيعة المنصب، تجيب المصادر: «لن نتمكن من ذكره لأسباب أمنية». كذلك يدور حديث عن أن دوره الجديد قد يكون في شغل منصب محافظ الأنبار. عموماً يحيل حديث تلك المصادر على أمرين:
أولاً، الإعلام العراقي، لم يتطرق حتى الآن إلى تلك الصفقات المريبة، ليكون من غير المعروف بعد كيفية رد الفعل الشعبي عليها.
ثانياً، الكرة اليوم هي عند الحكومة الجديدة. فبرغم كل الاحتفاء، والغزل، الدولي والإقليمي بها، إلا أن هناك تهويلاً مرتبطاً بملفات سياسية حساسة، بات يكبر في وجهها. الأكيد أن ملف الثلاثي: طارق الهاشمي، رافع العيساوي، ومحافظ نينوى أثيل النجيفي، يأتي على رأسها.