تونس | تداولت الوسائل الإعلام التونسية، أول من أمس، خبراً لم تكذّبه وزارة الداخلية، عن إلقاء وحدة خاصة من الأمن القبض على قيادي ليبي في تنظيم «فجر ليبيا» الذي يسيطر على العاصمة الليبية طرابلس.وجود هذا القيادي في تونس، ونجاحه في اختراق الحدود، يثبتان المخاوف التونسية من نجاح المسلّحين الذين يقاتلون قوات اللواء خليفة حفتر في ليبيا من الدخول إلى بلدهم، وتحديداً من الذين يسيطرون على المعبر الحدودي الأهم «رأس جدير»، حيث تخوض قوات حفتر منذ نهاية الأسبوع الماضي معارك دامية لتحريره من المسلحين الخارجين على الشرعية، كما تصفهم بيانات «عملية الكرامة» بزعامة حفتر.

حاولت تونس منذ تولي حكومة مهدي جمعة قيادة البلاد في شباط الماضي، التمسك بالحياد في المسألة الليبية. وقد نجحت وزارة الخارجية منذ تولّي منجي الحامدي في الحفاظ على استقلالية تونس، على عكس الحكومتين الأولى والثانية للترويكا، اللتين تورطتا في دعم الإسلاميين ضد معارضيهم، في سابقة لم يعرفها تاريخ الدبلوماسية التونسية. في هذا السياق، أكد منجي الحامدي، أن تونس «وفية لتقاليدها الدبلوماسية، وهي ترفض التدخل الأجنبي في ليبيا وتتمسك بالحوار بين جميع الأطراف».
وقد كان دور تونس فاعلاً في هذا الاتجاه، خلال كل الاجتماعات التي عقدت، سواء في الجزائر أو مصر أو السودان. غير أن تطور الأحداث في ليبيا، واقتراب النزاع المسلّح من الحدود التونسية (على بعد حوالى عشرين كلم من الحدود)، وتوالي التفجيرات وسماع أصوات الرصاص في المدن والقرى المتاخمة للحدود، خلقت جميعها حالة من الرعب داخل العمق الحدودي التونسي، برغم تطمينات رئيس الحكومة مهدي جمعة، الذي أكد في بيان صحافي أن «الدولة قادرة على حماية التونسيين وجاهزة لكل الاحتمالات، بما فيها الأسوأ».
تصريح جمعة على أهميته، لم يكن كافياً لطمأنة التونسيين، نظراً لحساسية الوضع التونسي. فليبيا تحتضن، منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي، مجموعةً كبيرة من المسلحين التونسيين، الذين يخططون لتنفيذ عمليات إجرامية وانتقامية ضد تونس، وفق ما كشفته وزارة الداخلية أكثر من مرة. كذلك، تُعدّ ليبيا المصدر الأساسي لتهريب السلاح والذخيرة، فضلاً عن وجود أشهر الإرهابيين التونسيين فيها، والمتورطين في اغتيالات وعمليات إرهابية مثل أبوعياض وأغلب قيادات تنظيم «أنصار الشريعة» المحظور في تونس، بمن فيهم المتهمون باغتيال الشهيدين محمد البراهمي وشكري بلعيد**. وهي تمثل «الفضاء المريح» للتدريب على السلاح والتفجيرات لمئات الشبان التونسيين. وقد نجحت وزارة الداخلية، في هذا السياق، في الكشف نهاية الأسبوع الماضي، عن خلية متخصصة في تسفير الشبان إلى تركيا وسوريا عبر ليبيا، بعد تدريبهم على السلاح، بالإضافة إلى تهريب المخدرات.

يمثل انهيار الدولة الليبية، وضعف حكومة الثني التي تستمد شرعيتها من البرلمان الليبي، الخطر الأساسي على أمن التونسيين. فبعدما كانت ليبيا تجسّد الأمل الذي يمكن أن ينقذ تونس من أزمتها الاقتصادية، عبر استعادة موقعها كسوق للعمل والتبادل التجاري الذي ينعش الاقتصاد التونسي، تحولت ليبيا إلى «كابوس» حقيقي بسبب انهيار الدولة وغياب الطرف القوي الذي يمكن التفاوض معه.
وبرغم أن تونس تلتزم رسمياً وشعبياً الحياد في ما يتعلق بالصراع في ليبيا بين البرلمان وقوات «الكرامة» وحكومة الثني من جهة، و«المؤتمر الوطني» وقوات «فجر ليبيا» وحكومة الحاسي من جهةٍ أخرى، لا يمكن أن تغفل لحظة واحدة عن متابعة التطورات الميدانية لحظة بلحظة، خوفاً من الطوفان.
وفي هذا السياق، اتهمت جهات تونسية عدة الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي المنحاز لـ «المؤتمر الوطني» برغبته في تأجيل الانتخابات الرئاسية عسى أن يتعكر الوضع أكثر حتى «تنقذه» الفوضى في حال اقتحام المسلحين الإسلاميبن للحدود التونسية، وهو احتمال يبقى قائماً في غياب الدولة الليبية.



المرزوقي: مستعد للتعاون مع حكومة «النداء»


في مقابلة خاصة أجراها مع وكالة «الأناضول»، أبدى محمد المنصف المرزوقي، الرئيس التونسي الحالي والمرشح للانتخابات الرئاسية التونسية، في دورتها الثانية، استعداده للتعاون مع الحكومة التي ينتظر ان يؤلفها حزب «نداء تونس» الفائز بالانتخابات التشريعية الأخيرة، الذي يواجه زعيمه الباجي قائد السبسي في الرئاسيات في 21 كانون الأول الحالي.
وعبر المرزوقي عن أسفه لعدم قبول قائد السبسي إجراء مناظرة معه، مشيرا إلى انه يحظى في السباق الرئاسي الحالي بمساندة «اليسار الاجتماعي» في مقابل مساندة «اليسار الإيديولوجي» لمنافسه.
ورأى المرزوقي أنه «بالنسبة إلى كل التونسيين، الصراع (حاليا) بين المنظومة القديمة التي تعود بكل قوتها والياتها القديمة والمنظومة الجديدة الديموقراطية التي تتقدم ببطء».
وعلى الصعيد الخارجي، قال بشأن سوريا، إن «البعض رأى اننا ارتكبنا خطأ ديبلوماسيا (بالقطيعة) أنا لا أراها كذلك، أنا أرى ان شعبنا هو كان منطلق الربيع العربي، وأن الثورة السورية انطلقت بعد الثورة التونسية، لا أقول تقليدا لها بل متابعة لها، وأنا أعجب كثيرا من الناس الذين هم ضد الفساد وضد الدكتاتورية وضد قتل الشعوب، ومع هذا يجدون من الطبيعي ان تونس مهد الثورة العربية تغض الطرف عن دكتاتور فاسد، ودكتاتور عائلي شرّد ثلث شعبه وقتل منهم 200 ألف بحجة ممانعة غير موجودة، وهذا موقف لن أغيره».
(الأناضول)