قمة تأكيد الثوابت الخليجية. لعله التوصيف الأدق للقمة التي احتضنتها الدوحة أمس وشهدت غزلاً سعودياً قطرياً. في الشكل، كان واضحاً أن مقررات القمة جاءت لتستكمل قرارات قمة الرياض الاستثنائية الشهر الماضي التي نتج منها مصالحة السعودية والامارات والبحرين مع قطر. يظهر ذلك من خلال مستوى الحضور الذي ماثل الحضور التقليدي في قمم من هذا النوع، لكنها في المضمون جاءت لتعكس تسليم قطر بجميع مطالب الثلاثي الخليجي.
يمكن تبيّن ذلك من خلال ما سمّي إعلان الدوحة الذي يؤكد على احترام دول المجلس بعضها لسيادة البعض الآخر وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وأيضاً من خلال البيان الختامي الذي أكد على دعم دول الخليج كافة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وخريطة الطريق وللدور العربي والإقليمي لمصر، فضلاً طبعاً عن الأجواء الاحتفالية التي عكستها القمة، والتي ظهرت من خلال كلمات المتحدثين فيها، وخاصة أمير قطر تميم، وولي عهد السعودية سلمان. ومع ذلك، فإن أجواء التفاؤل بدوام الودّ لا تبدو مرتفعة، خاصة في الدوائر المتابعة لمجريات العلاقات الخليجية الخليجية. يوجد هناك اقتناع بأن ما جرى ليس سوى «صلح عرب» يستهدف إمرار القمة التي كان عدم انعقادها في الدوحة يهدد بانفراط عقد مجلس التعاون الخليجي.
في المقابل، كانت لافتة أجواء المهادنة الخليجية لإيران، التي ميّزت القمة، والتي عكسها البيان الختامي الذي أكد على أهمية العلاقات الإقليمية المبنية على أسس حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وعدم استخدام القوة أو التهديد بها، مجدداً رفض الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث ودعم السيادة الإماراتية عليها. وأعرب قادة الخليج عن أملهم في أن يفضي تمديد المفاوضات بين إيران ودول (5+1) إلى حل يضمن سلمية البرنامج النووي الإيراني، آخذاً بعين الاعتبار المشاغل البيئية لدول المجلس. كذلك أكد المجلس الأعلى أهمية جعل منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط منطقة خالية من كافة أسلحة الدمار الشامل، بما فيها الأسلحة النووية، مؤكداً حق كافة الدول في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
شدّد وزير الخارجية القطري
على أن لا خصومة بين
القاهرة والدوحة
على صعيد الملف السوري، فالزمن بالنسبة إلى دول الخليج متوقف عند مقررات مؤتمر «جنيف 1»، أي الاستمرار في طلب إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد مع إضافة دعم خطة المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا. فقد شدد البيان على أن «الحل السياسي للأزمة السورية وفقاً لبيان جنيف1، وبما يضمن أمن واستقرار سوريا، ووحدة أراضيها». النص المتعلق بمصر جاء على الشكل الآتي: «جدد المجلس الأعلى (للقادة الخليجيين) موقفه الثابت من دعم جمهورية مصر العربية وبرنامج فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي المتمثل في خارطة الطريق ، مؤكداً مساندة المجلس الكاملة ووقوفه التام مع مصر حكومة وشعباً في كل ما يحقق استقرارها وازدهارها ، وأكد المجلس على دور مصر العربي والإقليمي لما فيه خير الأمتين العربية والإسلامية».
موقف سرعان ما انعكس في تصريحات وزير الخارجية القطري خالد بن محمد العطية الذي أكد أن «وجود مصر قوية أمر يخدم كل العرب، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي». وشدد العطية، رداً على سؤال حول وجود مصالحة بين مصر وقطر، على أنه «لم يكن هناك خصومة بين مصر وقطر حتى تكون هناك مصالحة بين البلدين».
عراقياً، رحّب القادة الخليجيون «بالتوجهات الجديدة للحكومة العراقية»، ودعوا «إلى تضافر الجهود نحو تعزيز الشراكة الوطنية بين مختلف مكونات الشعب العراقي، وبما يُسهم في تحقيق أمن العراق واستقراره وسيادته ووحدة أراضيه، ويساعد على تعزيز الثقة وبناء جسور التعاون في منطقة الخليج العربي ، ويمكنه من التصدي للإرهاب باعتباره خطراً مشتركاً على الجميع».
بالنسبة إلى اليمن، فقد أكد البيان الخليجي ضرورة استكمال تنفيذ المبادرة الخليجية، التي تجاوزها الزمن، معلناً دعمه للرئيس عبد ربه منصور هادي وشاناً هجوماً على الحوثيين الذين طالبهم بالانسحاب من المناطق التي «احتلوها»، مطلقاً عليهم هذا التوصيف الذي يحمل سمات قبلية ومذهبية وليس عنوانهم السياسي «جماعة أنصار الله». كذلك، أكد البيان الختامي وقوف دول المجلس إلى جانب البحرين في كل خطواتها في محاربتها للأعمال الإرهابية.
أما على صعيد العمل الخليجي الموحد، فقد أقرّ قادة دول المجلس إنشاء جهاز شرطة موحد يكون بمثابة «انتربول خليجي» مقرّه أبوظبي، كذلك أقرّوا إنشاء قوة بحرية مشتركة. إلا أن القمة لم تقرّ بشكل نهائي إنشاء القيادة العسكرية الموحدة، واكتفى البيان الختامي بالإشارة إلى أن المجلس الأعلى «عبّر عن ارتياحه وتقديره للإنجازات والخطوات التي تحققت لبناء القيادة العسكرية الموحدة، ووجه بتكثيف الجهود وتسريعها لتحقيق التكامل الدفاعي المنشود بين دول المجلس».
كذلك لفت البيان الختامي إلى أن المجلس الأعلى اطلع على ما وصلت إليه المشاورات بشأن مقترح الملك السعودي، عبدالله، بالانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، ووجه المجلس الوزاري باستمرار المشاورات واستكمال دراسة الموضوع. هذا البند الخلافي مع سلطنة عمان أدى، على ما يبدو، إلى قرار بعقد القمة المقبلة في الرياض، علماً بأنها كانت مقررة في مسقط.
وأكثر ما يلفت خلال تلك القمة كان إعلان الدوحة، الذي أكد على الحفاظ على سلامة دول المجلس كافة واحترام سيادتها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وهو ما يعتبر تأكيداً والتزاماً قطرياً بشروط المصالحة الذي فرضته السعودية والامارات والبحرين لعودة الدوحة إلى الحضن الخليجي.
الحضور في القمة كان بارزاً من حيث مستوى المشاركة، فحضر ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، وأمير الكويت صباح الأحمد الصباح، فيما مثّل السعودية ولي العهد سلمان، ومثّل الامارات رئيس الوزراء محمد بن راشد آل مكتوم وسلطنة عمان نائب رئيس الوزراء فهد بن محمود آل سعيد. وكان أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، قد أمل، في افتتاح القمة، أن تؤسس القمة انطلاقة جديدة لمسيرة التعاون الخليجي.
وقال آل ثاني «سنبقى نواصل الجهود لتحقيق الاتحاد الخليجي انسجاماً مع مبادرة الملك السعودي».
(الأخبار)