لم يخفِ رئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر العبادي، خلال استقباله وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل، في بغداد أمس، تماهيه مع مخططات «التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن بزعم محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا، بل ذهب إلى حد الطلب العلني أن تشن الطائرات الغربية مزيداً من الغارات الجوية وبإمداد الجيش العراقي بمزيد من الاسلحة في مواجهة التنظيم المتطرف.
وفي مستهل محادثاتهما في بغداد، قال العبادي لهاغل، الذي وصل الى العاصمة العراقية في زيارة مفاجئة آتياً من الكويت، إن «قواتنا تحرز تقدماً كبيراً جداً على الارض، لكنها تحتاج الى مزيد من القوة الجوية... والأسلحة الثقيلة. نحن بحاجة الى ذلك». وأضاف أن التنظيم «بدأ يتراجع في الوقت الحالي» وقدراته قد أضعفت. وفي وقت لاحق، أوضح المتحدث باسم المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء، سعد الحديثي، أن الحكومة العراقية «طالبت واشنطن بإيصال السلاح إلى كل من يقاتل إلى جانب القوات الأمنية العراقية».
ورغم كل دلالات حديث رئيس الوزراء العراقي، فقد تزامن كلامه مع انعقاد لقاء ثلاثي في طهران، جمع إلى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، نظيريه السوري وليد المعلم، والعراقي إبراهيم الجعفري. وقال ظريف عقب الاجتماع إن «الدول الثلاث كانت لديها نظرة مشتركة إزاء الإرهاب والتطرف منذ البداية، وقد صمدوا في هذا المجال، ومن هنا فإن التعاون بينها أمر ضروري، وقد اتفقنا خلال الاجتماع على مواصلة هذا التعاون، وقد كان هذا الاجتماع أول اجتماع للتعاون بيننا».
من جهته، قال الجعفري إن «الاجتماع تناول قضية التهديد المشترك المتمثل في الارهاب... كذلك جرى في الاجتماع بحث مسألة المصالح السورية والايرانية والعراقية». وحول إمكانية إيجاد صيغة للتعاون المشترك بين هذه الدول الثلاث على صعيد التصدي لـ«داعش»، قال «في حال التوصل الى مثل هذا التحالف، فإننا سنعلن عن ذلك بشكل رسمي». ورداً على سؤال صحافي حول التقارير التي تتحدث عن طلب السعودية التدخل البري في العراق، أجاب قائلاً «لسنا بحاجة إلى جنود وقوات عسكرية، والتدخل العسكري خط أحمر بالنسبة إلينا»، مشيراً في السياق إلى أن التعاون العسكري بين إيران والعراق «هو على مستوى المستشارين».
الجعفري: في حال التوصل إلى تحالف ثلاثي ضد «داعش» سنعلنه رسمياً

ويعكس التناقض، الظاهر، بين المشهدين في بغداد وطهران، ثقل آليات تحديد السياسة الخارجية في العراق راهناً، في ظل التشابك بين عوامل عدة، قد يكون أبرزها أن مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» تجري في بلد لا يزال يعاني من انقسامات داخلية حادة حول عدد من المسائل الاستراتيجية، في ظل توجهات صريحة لدى عواصم القرار المعنية ضمن «التحالف الدولي» لإعادة وضع اليد على القرار السياسي في العراق.
ويعتبر موقف العبادي، أمس، لافتاً، خصوصاً أنه يأتي من قبل رئيس وزراء دولة خرجت منها، قبل نحو ثلاثة أعوام، القوات الأميركية دون الإبقاء على عناصر لها، بحجة عدم منحهم الحصانة. ويأتي حديثه بعد أيام قليلة على نفيه تصريح السفير الأميركي لدى بغداد ستيوارت جوزنز، خلال حوار أجراه مع وكالة «أسوشييتد برس»، بأن العبادي تعهد بمنح القوات الأميركية الموجودة حالياً في العراق الحصانة. ومن غير المعروف، أيضاً، إن كانت مواقف العبادي الأخيرة يجري تنسيقها مع زعماء سياسيين عراقيين يبدو أنهم يدعمون حكومته.
إلى جانب ذلك، قد تسلط مناشدة رئيس الوزراء العراقي الضوء على ما يوصف بالتوتر في العلاقات الأميركية العراقية، على خلفية مطالبة بغداد بمساعدة أكثر فعالية ممّا تقدمه واشنطن حتى الآن. وفي تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، أول من أمس، بعنوان «برغم التحذيرات الأميركية، عراقيون يدفعون نحو هجوم على الموصل خلال الشتاء»، قالت إن «بعض المسؤولين العراقيين يضغطون على الأميركيين لدعم هجوم كبير على الموصل، في وقت أقرب ممّا يبتغون». وأوضحت الصحيفة أن بين هؤلاء المسؤولين العراقيين «مسؤولين مقربين من رئيس الوزراء، وبعض المسؤولين الرفيعين في وزارة الدفاع».
وفي السياق، يبدو أن الجانب العراقي يواصل استعداداته لهجوم مرتقب على مدينة الموصل في محافظة نينوى، من دون التباحث الجدي بعد في مسألة هوية الفرق العسكرية التي ستشن الهجوم، في محاولة لفرض أمر واقع على قوى داخلية معنية بأي حراك محتمل.. وأعلنت الرئاسة العراقية، أمس، تكليف نائب رئيس الجمهورية لشؤون الامن والدفاع، أسامة النجيفي، بمهمات متابعة عملية استعادة محافظة نينوى. وأوضح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، خالد شوانى، إن «التكليف قد جاء خلال اجتماع رئيس الجمهورية مع نائبه لشؤون الامن والدفاع أسامة النجيفي مساء الاثنين».
من جهته، أعلن هاغل في بغداد، عندما سئل عن وجود توقيت عراقي بشأن الموصل، أن الدولتين ترتّبان الاستعدادات معاً، لكنه امتنع عن إعطاء تفاصيل. وكان وزير الدفاع الأميركي، المستقيل، دعا العراقيين الى تحقيق النصر «بأنفسهم» على الجهاديين. وخلال حديثه الى مجموعة من الجنود الاميركيين والأستراليين وشكرهم على الجهود التي يبذلونها، قال هاغل، في زيارته الأولى لبغداد والأولى لوزير دفاع أميركي منذ عام 2011، إن باستطاعة الولايات المتحدة وحلفائها مساعدة العراقيين في القتال، لكن حكومة بغداد هي من سيتولى الحملة في النهاية. وفي حديث إلى الصحافيين بعيد اللقاء، قال هاغل الذي التقى أيضاً الرئيس العراقي فؤاد معصوم ووزير الدفاع خالد العبيدي، إنه أجرى محادثات صريحة مع العبادي وإنه تم بالفعل التسريع في تسليم بعض الأسلحة. وأشار إلى أن القوات العراقية عززت مواقعها حول بغداد وأوقفت تحرك تنظيم «الدولة الإسلامية» جنوباً، لافتاً إلى أنه «سيكون بمقدورهم تكثيف العمليات الهجومية مع توسيع نطاق التدريب الذي يقوم به التحالف إلى شمالي العراق وغربيه ووسطه».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)