قد يكون التحدّي الأكبر الذي واجهته قمة الدوحة هو قدرة قادة دول مجلس التعاون على احتواء خصوماتهم التي يعود جزء جوهري منها إلى تداعيات «الربيع العربي»، وخصوصاً عقب «ثورة 25 يناير» في مصر. وبناءً عليه، لم يكن سقف التوقعات في القمة مرتفعاً، بل اكتفى راعي القمة وقادة المجلس بالحد الأدنى من المواقف المتطابقة من الملفات الساخنة.
يكشف جدول أعمال القمة وتالياً البيان الختامي عن حقيقة قمة الدوحة بأنها قمة مواقف وليست قرارات، وما صدر قبل وبعد القمة يندرج في سياق «التمنيات» خصوصاً على مستوى المشاريع المؤجّلة التي جرت مناقشتها في قمم خليجية سابقة، بدءً من الوحدة الجمركية، ومروراً بالبنك الخليجي والبطاقة الموحدة، والتعاون الاقتصادي بين القطاعين العام والخاص وصولاً إلى الاتحاد الخليجي.
قبل يوم واحد من انعقاد قمة الدوحة، أصدرت الحكومة السعودية بياناً اختار الاعلام السعودي له عنوانا (آمال الحكومة السعودية) من قمة الدوحة. البيان الصادر عن مجلس الوزراء السعودي في جلسته الاسبوعية برئاسة ولي العهد سلمان بن عبد العزيز أعرب «عن تمنّياته بالتوفيق والسداد لقادة دول مجلس التعاون..»، ونوّه البيان «بما حققته دول المجلس من إنجازات وتطور على مستوى التنسيق والتكامل». هل ثمة ما يفيد علماً بآمال الحكومة السعودية الحقيقية؟ إذ لم يكن البيان سوى تظهير لجدول أعمال بدا مكتظاً بكل ما هو غير جوهري، بل والأهم بما هو غير خليجي.
في الشكل، لم تكن قمة الدوحة على مستوى القادة، بسبب غياب نصف قادة دول المجلس (السعودية والامارات وعمان) لدواعي المرض أو التمارض السياسي، ما يجعل أي حديث عن اتحاد خليجي مجرد «مواكبة» إرشيفية.
قمة الدوحة جرت في
ظروف استثنائية ولكن خرجت بمواقف عاديّة

في المضمون، كان البيان الختامي لقمة الدوحة أشبه ببيان سياسي، أو بالأحرى بمطالعة سياسية للأوضاع الإقليمية والدولية، ولم يتطرّق إلى موضوعات خليجية، لا على المستوى القطري ولا على المستوى الجمعي. وبحسب مصادر إعلامية خليجية فإن قمة الدوحة عنوانها خليجي ومسرحها عربي، ولكن ليس على سبيل نزوع قادة المجلس نحو زيادة الاهتمام بالشأن العربي، بل لأن القمة ليست معنيّة بموضوعات خليجية لم تتهيأ الظروف المناسبة لبتها وإصدار قرارات نهائية وحاسمة بشأنها، وأيضاً، لأن الدوحة مطالبة باطلاق مواقف إزاء قضايا كانت السبب وراء الخلاف الخليجي ـ الخليجي.
وبناءً عليه، لم يتوصّل ممثّلو الدول الخليجية الست في قمة الدوحة إلى قرارات على أي مستوى، وفي أي من القضايا الخليجية المعلّقة. نعم، وصفت قمة الدوحة بأنها استثنائية، ووضعت في أولوياتها «هواجس الأمن وتطوير الدفاع المشترك»، فهل كانت غير ذلك في القمم السابقة؟!
خليجياً، أودع البيان الختامي كل الموضوعات المدرجة على جداول أعمال القمم السابقة ثلاجة المجلس، ريثما يتجدّد اللقاء في القمة المقبلة في الرياض في الموعد نفسه من العام المقبل. وبحسب البيان الختامي، فقد جرى الاتفاق على:
ـ استمرار المشاورات بشأن مقترح العاهل السعودي الملك عبد الله للانتقال من مرحلة التعاون إلى الوحدة
ـ مواصلة العمل على الاتحاد النقدي الخليجي
ـ استمرار العمل من أجل التوصل للاتفاق على الخطوات النهائية للاتحاد الجمركي الخليجي
ـ أهمية الاستمرار في العمل المتكامل بين دول المجلس
ـ صدور التوجيهات من قبل ممثلي دول الملجس باستمرار الجهود لتشكيل القوة العسكرية الموحدة
ـ تكليف الهيئة الاستشارية تطوير الشراكة بين القطاعين العام والخاص في دول مجلس التعاون
من وجهة نظر مراقبين، لسيرورة مجلس التعاون الخليجي، أريد لقمة الدوحة أن تكون عادية، وحرمانها تحقيق مكسب تاريخي، ولهذا السبب اختيرت القمة في هذا البلد منصة لإطلاق مواقف دون قرارات. قد تكون ذاتها وجهة النظر القطرية أيضاً، التي تشعر بأن عليها قضاء ما فات من فرائض سياسية في ملفات خلافية.
إلى جانب المواقف الموحّدة من ملف الإرهاب، أكّد البيان الختامي لقمة الدوحة «مساندة المجلس الكاملة ووقوفه التام مع مصر حكومة وشعباً في كل ما يحقق استقرارها وازدهارها». وأن المجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي بحسب البيان الختامي الذي تلاه الأمين العام لمجلس التعاون عبد اللطيف الزياني «جدّد مواقفه الثابتة في دعم جمهورية مصر العربية وبرنامج الرئيس عبدالفتاح السسيي المتمثل بخارطة الطريق». وهذا الموقف بحد ذاته «دفعة على الحساب» القطري إزاء مصر بحسب اتفاق المصالحة الخليجية في الرياض، الأمر الذي يضع الخطاب الإعلامي القطري على المحك، لكونه ينظر إلى النظام المصري برئاسة السيسي انقلابياً، وأن الرئيس المخلوع محمد مرسي ممثل للشرعية.
مواقف أخرى بدت لافتة في البيان الختامي منها على سبيل المثال، تبني المجلس الحل السياسي في سوريا على أساس مقررات مؤتمر «جنيف1»، بالرغم من إدانته لنظام الرئيس بشار الأسد. تراجع وتيرة التصعيد الاعلامي والسياسي السعودي والخليجي عموماً إزاء الموضوع السوري مؤشّر على تحوّل في الموقف الخليجي العام، الذي كان حتى وقت قريب يتبنى فكرة إسقاط النظام عبر السلاح. هذا التحوّل يتزامن مع قرار دولة الكويت إعادة افتتاح سفارتها في دمشق، ما قد يرسم معالم مرحلة جديدة تأتي في سياق الحرب على الإرهاب، والتفاهمات التي تجري على المستويين الإقليمي والدولي.
في سياق مواز، عبّر البيان الختامي عن قبول مبدئي بسير المفاوضات الجارية بين إيران ودول «5+1» بشأن البرنامج النووي الإيراني، وكذلك تمديد المفاوضات إلى حزيران المقبل، وإن بدا حذراً في «تسليف» طهران موقفا غير مشروط، إذ لا يزال هناك في دول المجلس، وعلى وجه الخصوص السعودية، ومن ورائها البحرين، من يصرّ على إقحام الموضوعات الخلافية في مداولات القمة، ومنها قضية الجزر الثلاث الواقعة تحت السيادة الإيرانية، التي لا تطالب بها الإمارات سوى عبر اللقاءات الخليجية. أضيف إلى القضايا الخلافية أخيراً الموضوع اليمني بعد الحراك الشعبي في 21 إيلول الماضي، الذي أدّى إلى انهيار المبادرة الخليجية واستبدالها باتفاق السلم والشراكة. عدّت الرياض التحوّل الثوري في اليمن بمثابة اختراق إيراني لمجالها السيادي، وراح مجلس التعاون في بيانه الختامي يطالب «بالانسحاب الفوري للميليشيات الحوثية من جميع المناطق التي احتلتها، وإعادة جميع مؤسسات الدولة المدينة والعسكرية لسلطة الدولة، وتسليم ما استولت عليه من أسلحة ومعدات».
من وجهة النظر السعودية، لا يعد هذا الموقف بالنظر إلى أدق التفاصيل فيه تدخّلاً سافراً في شأن داخلي لدولة ذات سيادة، وإنما يقع في نطاق صراع النفوذ والتهديدات التي تواجهه المملكة السعودية. باختصار، إن ما يعدّه اليمنيون إنجازاً ثورياً وتاريخياً تنظر اليه السعودية بكونه إنجازاً إيرانياً أو بالأحرى تهديداً إيرانياً للأمن الوطني السعودي!
في كل الأحوال، فإن قمة الدوحة جرت في ظروف استثنائية، لكن خرجت بمواقف عاديّة، وليس هناك ما يفسّر سبب «البهرجة» الإعلامية التي أحاطت بها سوى إخفاء القرارات الغائبة عن أي من ملفاتها الساخنة، ففي الدوحة كان لقاء بدون غرام.