ماذا يعني أن يفجّر رجلٌ أربع قنابل يدوية بنفسه وبعائلته لحظة اقتحام المسلّحين منزله؟ ماذا يعني أن يمتلك أحدهم هذا المقدار من الشجاعة في اختيار الموت تفادياً للمذلة؟ كيف يصل إنسان إلى هذه اللحظة؟ وأي نفسٍ قادرة على بلوغ هذه الدرجة في سلّم القوة البشرية؟نزار حسن وحده يعلم.
في مثل هذا اليوم قبل عام، قرّر المهندس نزار حسن أن يذهب بنفسه إلى الموت مع زوجته ميسون محلا، وولديه كريم (17 سنة) وبشر (4 سنوات)، متمكناً من قتل 8 من مسلّحي تنظيم «جيش الإسلام» الذين خلعوا باب منزله في عدرا العمالية، بحثاً عن «النصيري» لذبحه وعائلته، أو ربما لخطفهم مع باقي أبناء المدينة التي عادت إلى سيطرة الجيش السوري قبل أشهر، لكن بعض أبنائها لا يزالون في قبضة المسلحين بعيداً عنها.

مع ساعات الفجر، كثر الطرق على باب المنزل في مساكن عدرا العمالية. كان اسم نزار من بين الأسماء المدرجة على «لوائح الذبح». بعدما انفضّ مسلحو عصابة زهران علّوش وآخرون من «جبهة النصرة» من ذبح عائلات أخرى، جاء دوره وعائلته ليمرّ سكين الوهابية على رقابهم. لكنّ نزار كان أسرع. فقراره لم يكن ابن ساعته، بل هو بلّغ قريباً له في وقتٍ سابق، بأنه في حال عدم نجاة بيته من المذبحة الدائرة في المدينة، سيفجّر المنزل به وبالمسلّحين، بواسطة 4 قنابل يدوية عثر عليها بالقرب من جثمان أحد شهداء الجيش السوري.
وهكذا كان. تجمّع أفراد العائلة الصغيرة في حمام المنزل، مع اقتراب المسلحين منه، قبل أن يرسل نزار رسالة هاتفية لقريبه لم تتضمّن سوى عبارة: «الله والجيش أملنا». 25 مسلحاً خلعوا باب المنزل، وما إن دخلوا حتى رمى نزار ثلاث قنابل، قتلت 8 منهم وأصابت الآخرين، أما الرابعة فقد فجّرها بنفسه وبعائلته. رأى كريم وبشر وميسون يموتون أمام عينيه، كما أخبر قريبه في آخر مكالمةٍ ردّ عليها وهو يحتضر، قبل أن يسلم الروح.
حصدت الحرب في سوريا آلاف الشهداء، منهم من سطّر بطولات، كمنفذي العمليتين الاستشهاديتين في مطار الطبقة في الرقة، الضابطين مهران سعيد وربيع عيسى. إلى جانب وقفات عزٍّ عدة، حفلت بها الحرب على امتداد أربع سنوات في المدن والقرى السورية، منها ما وصل إلينا بالتواتر أو بالتوثيق عبر الفيديو، كالمقطع الذي أظهر الشهيد في الجيش السوري يحيى الشغري في الرقة، يردّ على طلب تنظيم «داعش» قل: «دولة الإسلام باقية»، بصرخة: «والله لنمحيها» قبل أن تخترق رأسه وجسمه عشرات الرصاصات.
تبقى «قصة» نزار حسن استثنائية، وكأنها غيّرت معنى الموت، كأنها «جمّلته»، أضاءت على طهره في مقابل دنس عصابات الذبح. لم يضعف ابن ريف جبلة أمام احتمال النجاة. كانت حتمية الذلّ في جميع الأحوال كافية للاستنجاد بالموت الجماعي.
قيل الكثير في نزار حسن. لكنّ نزار يجسّد كل ما قيل وسيقال في معنى الكرامة. هو العزّة في زمن أُريدَ لهذه الكلمة أن تدخل قاموس «اللغة الخشبية»، هو الوطنية في زمن «هدم الثوابت»، وهو «الأشياء التي لا تُشترى» في زمن المقايضة الأميركي ــــ السعودي.