غزة | خمسة أيام متواصلة لم يستطع المواطن الغزي أبو إسماعيل فيها النوم، فكلما حاول إغماض عينيه، كان يصاب بصداع شديد يكاد «يفلق رأسه نصفين». دخل الرجل الثلاثيني حالة جنونية دفعته إلى البحث في الصيدليات عن أي نوع من المسكنات، لكن الصيادلة التزموا بتعليمات الشرطة، ورفضوا بيعه أي مسكّن قوي يعادل «الترامادول» المعروف شعبياً باسم «الأترمال».
هذه الحالة التي تكررت في الأيام الماضية مع عشرات الشبان والشابات في غزة، دفعته إلى خيار صعب هو التوجه إلى مستشفى الشفاء، بعدما انقطع أمله في إيجاد مسكّن (مخدّر) الترامادول في السوق السوداء. حثّته زوجته على ذلك لعلها تتخلص من عذاب استمر أكثر من خمس سنوات بسبب إدمانه تعاطي هذا الدواء الذي كان «بديل الفقراء» من المخدرات. لكنها اليوم تندم على نصيحتها، بعدما علمت أن رجال المباحث قبضوا على زوجها. فبعدما كشف الطبيب المناوب في «الشفاء» على «أبو إسماعيل»، عاد إليه بعد دقيقتين ومعه الشرطة التي قبضت عليه بتهمة التعاطي، وقررت التحقيق معه وسجنه حتى عرضه على النيابة.
جُنّ جنون الزوجة منذ تلك اللحظة، وتقول معترضة: «بدلاً من أن يساعدوا المتعاطين للعلاج ويستروا عليهم، يزجونهم في السجن». لكن المتحدث باسم الشرطة التابعة لحكومة «حماس» السابقة، أيمن البطنيجي، نفى الأنباء عن اعتقال أي من المدمنين الذين توجهوا للعلاج، مؤكداً أنهم يسعون إلى التخلص من هذه الظاهرة، «لذا نعمل على معالجة المتعاطين بتحويلهم إلى مصحة، وحيدة، شمالي القطاع».
يؤكد مصدر أمني أنهم يعتقلون المتعاطين للوصول إلى التجار الكبار


ورداً على تأكيدنا الحصول على إفادات مواطنين باعتقال أقربائهم، شدد البطنيجي على أن «الأمن يلقي القبض على الأشخاص الذين في حوزتهم مخدرات أو ترامادول، وخاصة من سعى إلى توريط غيره، ثم نتبع الإجراءات الجزائية بحق المتعاطين والموزعين وكذلك التجار». وقال لـ«الأخبار» إن العقوبة هي نفسها على كل المتعاطين «حتى لو قبض على الشخص وهو يمسك حبة واحدة فقط... فقد تصل العقوبة إلى السجن سنة أو سنتين».
وبعد كل حرب على غزة، كانت مشكلة التعاطي تطفو على السطح، لكن الحرب الأخيرة التي سبقها إغلاق كبير للأنفاق بين القطاع ومصر، أثرت في عمل تجار المخدرات الذين كانوا يهربون كميات كبيرة من المخدرات بأنواعها إلى جانب حبوب «الأترمال»، فيما يشاع أن سبب الغلاء الكبير للشريط الواحد من «الترامادول» (من 15 دولاراً إلى 120 دولاراً) هو اقتصار التجار على ما لديهم من مخزون. كذلك ألقى البطنيجي حمل المسؤولية على المؤسسات الأهلية والصحية في ظل العجز الرسمي عن توفير مصحات جديدة، مطالباً إياها بدور مساند.
رغم ذلك، أكد مصدر أمني آخر لـ«الأخبار»، فضّل إخفاء اسمه، أنه ألقي القبض على عدد من المتعاطين الذين وصلوا إلى مستشفى الشفاء للعلاج، لكنه أوضح أن هؤلاء مصابون بأعراض يصعب علاجها إلا في المؤسسات المتخصصة بعدما توقفوا جبراً عن تناول الحبوب المخدرة. وأشار المصدر إلى أن هناك اتفاقاً مبرماً بين المباحث والأطباء من أجل التبليغ عن حالات التعاطي التي تصلهم. لكنه عاد وبيّن أنهم يهدفون إلى التحقيق مع المتعاطين للوصول إلى «الروس الكبيرة» (يقصد التجار)، إضافة إلى «معرفة إن كانوا ضحايا مخدرات أو موزعين لها». وفي الحالة الأولى، يشدد المصدر الأمني على أن المتعاطي يحوّل إلى العلاج، «فيما الموزّع أو التاجر تتخذ بحقه الإجراءات القانونية».
وتطرأ على المتعاطين الذين توقفوا عن تناول المهدئات، أو المخدرات، أعراض جانبية فجائية، ومنها البقاء مستيقظاً عدة أيام متواصلة، والتشتت في التفكير إضافة إلى النسيان. وجسدياً، يظهر بوضوح الألم في المفاصل والعجز عن فعل أي نشاط، فضلاً عن ازدياد استهلاك السجائر والقهوة بصورة واضحة، علماً بأن أسعار السجائر تضاعفت في القطاع مؤخراً.
أما الحقيقة الصادمة، فهي إفادة أحد الموزعين بأنه لا توجد فئة معينة تتعاطى «الأترمال»، إذ يؤكد أن من المتعاطين مهندسين وصحافيين وصولاً إلى المتعطلين من العمل، وذلك يشمل فئات الإناث والذكور، فيما يرى متخصصون أن هذه الحالة وإن وصلت إلى حد الظاهرة في ظل الأوقات العصيبة التي يمر بها سكان غزة، فإنها سرعان ما ستنحسر.