لم يكن استعراض الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لموكبه في الطريق إلى مجلس النواب، السبت الماضي، سوى جزءٍ من مشهدٍ صار ملازماً لتحركات واحتفالات الجنرال، بعد وصوله إلى رأس السلطة. المشهد الاستعراضي مكوّن من دراجات نارية وعدد كبير من سيارات الحراسة، ويضم موكبه حوالى 20 سيارة حراسة مختلفة، إضافة إلى سيارتي تشويش وسيارة الإسعاف الرئاسية.وبرغم إغلاق شوارع القاهرة لمرور موكب السيسي، فإنه يفضّل الانتقال بالطائرة، من القصر الرئاسي إلى البرلمان، وسط العاصمة. وهي المرة الثالثة التي يصل فيها الجنرال من ضاحية مصر الجديدة إلى وسط القاهرة بـ«الهليكوبتر»، حيث تنتظره هناك سيارات الموكب الرئاسي. تسير به مئات الأمتار فقط. كذلك، فإن فريق حمايته يُغلق المسارب برّاً والفضاء جواً، تحسباً لقرار مفاجئ من «الريّس»، بالعودة برّاً ليتفقّد أحوال الرعية.
في كل مرة يسير فيها موكب الرئيس في ميدان التحرير، تُغلّقُ الطرق المؤدية إليه. لم يكن السيسي في الميدان وسط المواطنين. يُفضّل أن تكون جولاته بالدراجة، في المناطق النائية، حيث يتوافر الأمن والحراسة المشدّدة، التي ترافقه عادةً بملابس مدنيّة.
يستكمل الرجل مشاهد بدأت باستفزاز مشاعر المصريين. فخلال زيارة الرئيس الصيني إلى القاهرة، الشهر الماضي، شهدت العاصمة مظاهر أثارت احتقان المواطنين ضد الرئيس وضيفه، إضافة إلى مشاهد البذخ في افتتاح قناة السويس الجديدة، في 6 آب الماضي... وغير ذلك في زياراته عددا من المناطق المصرية.
يزيد الرئيس المصري الضرائب على الطبقة المتوسطة لا الثرية

«العظمة» أصبحت مرادفة لسلوكيات السيسي، التي هي ليست وليدة اللحظة. فقد بدأت مع توليه الرئاسة. مشهد إطلالته من شباك الطائرة الرئاسية على مقاتلات «الأباتشي» المرافقة له لتأمينه جواً، لا يزال محفوراً في ذاكرة كثيرين. وبينما يطالب الرئيس المصريين بالتقشف، متخذاً المزيد من إجراءات رفع الدعم وتخفيض قيمة الجنية أمام الدولار، يعمل على إحاطة نفسه بـ«العظمة» والاستعراض.
ويدافع السيسي عن محدودي الدخل، ويؤكّد ذلك في أحاديثه، لكنه لا يحصّل من الطبقة الثرية زيادةً في الضرائب، بل يقرر «المشير» أن يكون الدعم من الطبقة المتوسطة، لمصلحة محدودي الدخل. وهو ما عبّر عنه صراحة خلال حديثه، الأسبوع الماضي، أثناء افتتاح عدد من المشروعات السكنية. فقد أشار إلى أنه صاحب قرار رفع أسعار الإسكان المتوسط من أجل محدودي الدخل، بينما خفّض شرائح الضرائب على الفئات الأكثر دخلاً.
وبسبب خلل تشريعي، غابت غالبية القطاعات الاستثمارية، التابعة للحكومة، عن قانون الحد الأقصى للأجور، في مقابل زيادات مستمرة لرواتب المنتسبين للقوات المسلحة.
مشاهد السيسي تأتي ضمن إطار عام، هو عودة الدولة إلى ما كانت عليه قبل ثورة «25 يناير». مواكب رئيس الحكومة والوزراء صارت شبيهةً لحد كبير بمواكب وزارء نظام حسني مبارك، التي كانت تغلق الشوارع والطرق، وترافقها حراسة مكثفة من إدارة الحراسات الخاصة في وزارة الداخلية؛ وهو ما يراه رجال النظام أمرا منطقيا في ظل التهديدات المتزايدة باستهداف المسؤولين.
وبمتابعة خطابات الرئيس، يُلاحظ تغييراً فيها، يدلُّ على «العظمة»، أيضاً، لكنها مزيفة. فقد تحوّلت خطاباته من «سنعمل» لـ«عملنا وهنعمل»؛ ففيما لم ينجز سوى مشروع تفريعةٍ لقناة السويس، خلال عشرين شهراً قضاها رئيساً، وذُيّلت مؤخراً بمجموعة من القروض ستتحمل الأجيال المقبلة أعبائها، بعد الفشل في جذب استثمارات مباشرة وتراجع السياحة، لم تنفذ المشروعات التي أعلنت حتى الآن: العاصمة الإدارية متعثّرة، ومشروع الضبعة متوقف لأسباب مالية، ومشروع المليون ونصف المليون «فدّان» دخلت فيه أراضٍ قديمة باعتبارها مشروعات حديثة.
ارتفع الفارق في السوق الموازية للدولار لأكثر من جنيه للمرة الأولى، وارتفعت أسعار الشقق والأراضي بعد قرار السيسي زيادة الأسعار لمتوسطي الدخل، كما ارتفعت أسعار السجائر بالضرائب والجمارك التي زادها أكثر من مرة. هكذا يمكن اختصار مسيرة الرجل في «عِملنا»، لننتظر «سيعمل» التي صار يعد المصريين بها، ولم يتبق من مدته الرئاسية سوى 28 شهراً فقط. فهل «سيعمل» بعد انتهائها؟