أحدثت الأشرطة المصورة، التي عرضت فيها حركة «حماس» عدداً من عملياتها في مواجهة الاحتلال، خلال الحرب الأخيرة، إرباكاً على المستويين الأمني والسياسي في إسرائيل لا تزال آثاره مستمرة. فمن جهة، ينبغي للأجهزة المتخصصة تقديم تفسير مقنع حول كيفية تسريب بعض المقاطع المصنفة سرية إلى أيدي «حماس»، ومن جهة أخرى، يكشف نشر المقاطع عن مستوى التصدي والشجاعة التي تحلى بها رجال المقاومة، فضلا عن أن توقيتها لها تأثيره على المستوى السياسي في اللحظة الانتخابية التي تشهدها إسرائيل، وخاصة أن ذلك اقترن باحتفال في غزة بدا أنه أقرب إلى صورة النصر التي توجت بها المقاومة.
وطرح تسرب الأشرطة التي يصنف بعض ما ورد فيها على أنه «سري جداً» تحدياً أمام الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية بسبب السؤال عن كيفية وصولها إلى المقاومة. على هذه الخلفية، لفتت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى أن هذه الواقعة فرضت تساؤلاً مفاده هل اخترقت «حماس» حواسيب الجيش، أم إن القضية ناتجة من تسريب جهات مجهولة. لكن على ضوء التقدير الإسرائيلي للقدرات التكنولوجية لدى الحركة، فإن هذا التقدير دفع الأجهزة المعنية إلى ترجيح فرضية أن يكون ذلك تم عبر تسريب ليس إلا.
في كل الأحوال، نقلت الصحيفة نفسها عن الخبير في أمن المعلومات من «الحركة للحقوق الرقمية»، دورون اوفيك، قوله إنه ينبغي ألا «نستخف بالنتيجة النهائية مهما كان السبب الذي يقف وراء وصول هذه الصورة إلى أيدي حماس»، ورأى أن هدف الحركة من نشر هذه الأشرطة إيجاد حالة فوضى في الساحة الإسرائيلية. كما ذكر أوفيك أن الجيش الإسرائيلي لا يحفظ هذه المعلومات في حواسيب متصلة بالإنترنت.
الضيف على قيد الحياة... وتساؤل عن سبب ترك «أبابيل»
دون إسقاطها

مع ذلك، شكك خبراء إسرائيليون في أن تكون «حماس» قادرة من دون دعم دولة مثل الجمهورية الإسلامية في إيران، على اختراق منظومات الجيش. أيضاً، يبدو أن العرض العسكري الذي نفذته «حماس» في غزة له أثره في الساحة الإسرائيلية، وخاصة أنه يقدم صورة حقيقية عن نتائج تلك المواجهة لجهة تحديد هوية المنتصر. ولا يخفى أن الصور التي بثت من غزة سيكون لها وقعها حتى على رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، نفسه. فيمكن لمنافسيه في الانتخابات أن يستغلوها للتشكيك في نتائج الحرب التي حاول أن يروج فيها أن إسرائيل انتصرت في هذه المعركة لجهة تعزيز الردع في مواجهة القطاع.
وبرغم أن حسم قضية مصير القائد العسكري لكتائب القسام (حماس)، محمد الضيف، لم يكن مفاجئاً للأجهزة الإسرائيلية، وخاصة أنها تجنبت القطع بمصيره خلال المدة السابقة، فإن الكشف عن بقائه على قيد الحياة سيشكل دليلاً على أن إسرائيل لم تتمكن من وسم العدوان على غزة بصورة نصر يتباهى به المسؤولون الإسرائيليون. وكانت «حماس» قد نشرت مقطعاً مصوراً في ذكرى انطلاقتها، أمس، ظهر فيه الضيف وراء شاشة سوداء مع خليط من التسجيلات الصوتية له.
في هذا الإطار، أكدت القناة العبرية العاشرة أن الكشف عن مصير القائد العسكري لـ«حماس» بعدما أخفقت إسرائيل في اغتياله، سيستحوذ على اهتمام الأجهزة الأمنية، كما رأت أن حماس أرادت توجيه رسالة إلى إسرائيل مفادها أنها ترمم ترسانتها الصاروخية ومستعدة للمواجهة المقبلة. وتوقفت القناة عند توقيت هذا العرض العسكري وتزامنه مع مصادقة الحكومة على تعيين غادي ايزنكوت رئيساً لأركان الجيش.
من جهة أخرى، تساءل المعلق العسكري في القناة الأولى، أمير بار شالوم، عن سبب امتناع الجيش الإسرائيلي عن اعتراض وإسقاط طائرات الاستطلاع التي أطلقتها المقاومة خلال الاحتفال في غزة، مع أن امتناع الإسرائيلي يكشف عن حقيقة وجود ردع متبادل في هذه المرحلة بين الطرفين. وكشف المعلق أنه توجه إلى الجيش بطلب لتفسير سبب امتناعه عن إسقاط هذه الطائرة، رغم رصدها، وذلك للمرة الأولى في تاريخ الصراع. لكنه لم يتلقّ أي جواب على ذلك. رغم هذا، فإن بار شالوم رأى أن هناك احتمالين لامتناع سلاح الجو عن ذلك، الأول أن إسرائيل غير معنية في هذه المرحلة بالتسبب في فتح مواجهة مع «حماس»، والثاني أن ذلك يعكس تسليماً بتغيير قواعد اللعبة بإطلاق طائرات فوق القطاع، عبر قوة ردع متبادلة أنتجتها الحرب الأخيرة.
كذلك تساءل المعلق العسكري عن أن تحليق هذه الطائرات يطرح سؤالاً كبيراً عن الجهة المسؤولة أو المسيطرة على سماء غزة. لكنه اختتم تقريره بالقول إن المرحلة المقبلة ستكشف هل تغيرت قواعد اللعبة أم لا، وهل ستستهدف إسرائيل طائرات كهذه في حال إطلاقها مجددا؟ هنا يمكن الإشارة إلى أن القيادة السياسية في تل أبيب تدرك أنه في حال رد «حماس» على إسقاط هذه الطائرات، ستسقط مقولة نتنياهو في أن الحرب السابقة أنتجت هدوءاً طويلاً لجنوب فلسطين المحتلة، ما يفتح الباب واسعاً أمام التساؤلات والتشكيك في جدوى الحرب وحقيقة نتائجها.