حضرت القاهرة عبر وزير خارجيتها، سامح شكري، بشكل مباشر أمس، إلى قلب المشهد السياسي العراقي، في خطوة ديبلوماسية تعكس، بالدرجة الأولى، الاهتمام بالتطورات العراقية لارتباطها الشديد بمفهوم الأمن القومي المصري. ولا تنفصل الخطوة، في الوقت ذاته، عن الحراك الخليجي ضمن الخريطة السياسية والأمنية في العراق، نظراً إلى العلاقات الثنائية المتينة بين الجانبين منذ تسلم الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة في البلاد.
ولم يخف هذان المعطيان عن تصريحات شكري في بغداد أمس. قال، بعيد لقائه نظيره العراقي إبراهيم الجعفري، إن «مصر كانت من أولى الدول التي لبت المشاركة في التحالف (الدولي الذي تقوده واشنطن) ضد داعش، وكانت مشاركتها في اجتماع جدة قد أعطت زخماً للتحالف ثم مشاركتها في اجتماع باريس». ومن المعروف أن اجتماع جدة الذي انعقد في شهر أيلول الماضي قد قدّم السعودية كدعامة إقليمية لـ«التحالف الدولي» ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».

وأضاف وزير الخارجية المصري، الذي التقى كذلك عدداً من الشخصيات العراقية بينها رئيس الوزراء حيدر العبادي، أن بلاده «تضطلع بدور مهم في التحالف من خلال الدعم السياسي له، وأيضاً من خلال دور المؤسسات الدينية والأزهر والإفتاء لإعطاء الخطاب الديني الصحيح»، موضحاً أن «هذا مهم للغاية لتصحيح المفاهيم الخاطئة التي تصل إلى الشباب الذين ينخرطون في الأعمال المتطرفة، وأيضاً العمل على منع تدفق الأموال بالنسبة إلى التنظيمات الإرهابية، وأيضاً موضوع سفر الأجانب للانضمام إلى هذه التنظيمات».
وفي سياق عرضها لحديث شكري، نقلت مواقع مصرية عن وزير الخارجية العراقي قوله إن «الإرهاب مركب ومن يقف مع الإرهاب ليس هو من يقدم التمويل الإرهابي، فقط، ولكن أيضاً بعض الإعلام الذي يدعم والمنابر والدول التي تشكل مناطق عبور»، مضيفاً: «لكن يجب أن نفرق بين دولة تورط جارتها في إمرار الإرهابيين، وأيضاً دولة أخرى لا تتمكن من منع إرهابيين من الدخول». وتابع الجعفري أنه جرى الاتفاق على عقد اجتماعات اللجنة المشتركة بين البلدين خلال الربع الأول من العام المقبل.
ومعروف أن العلاقات الحالية بين النظام المصري الجديد وبغداد كانت قد ترسخت منذ الأسابيع الأخيرة لولاية رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، برغم العزلة الخليجية السياسية التي كانت مفروضة على بغداد في حينه، في حراك كان يشير إلى مدى الترابط بين الأمن القومي المصري والتطورات في العراق.

مؤتمر أربيل

تأتي زيارة وزير الخارجية المصري إلى بغداد عشية انعقاد مؤتمر، إشكالي، في عاصمة إقليم كردستان، اربيل، تنظمه قوى سياسية تنتمي إلى محافظة الانبار ومحافظة نينوى، تحت عنوان «محاربة الإرهاب والتطرف». وتنبع بالأساس الإشكاليات التي يطرحها المؤتمر من واقع الهوية السياسية للشخصيات التي دعت إليه، والتي يأتي على رأسها محافظ نينوى، أثيل النجيفي، الذي زار واشنطن أخيراً لطرح مسألة «تسليح العشائر» وتشكيل «إقليم سني» في البلاد، فيما كان من بين الشخصيات التي دارت حولها شبهات في قضية سقوط مدينة الموصل في بداية شهر حزيران الماضي.
ومن المفترض أيضاً أن يشارك في المؤتمر وزير المالية العراقي السابق، رافع العيساوي، وهو الاسم الذي ارتبط مباشرةً باندلاع أبرز أزمة سياسية في وجه حكومة نوري المالكي عام 2013 ــ الأزمة الحادة بين الحكومة والمحافظات الغربية ــ التي أوصلت، ختاماً، إلى سقوط مدينة الموصل. وكان النائب عن «دولة القانون»، محمد كون، قد اعتبر، أمس، أن «حكومة اقليم كردستان مطالبة بتسليم أي متهم (من قبل القضاء العراقي) يدخل أراضيها، سواء كان طارق الهاشمي أو رافع العيساوي».
وفي موقف يشير إلى عدم التجانس بين مختلف القوى في غرب العراق حول دعوة اليوم، وصف رئيس «مجلس انقاذ الانبار»، الشيخ حميد الهايس، انعقاد المؤتمر بـ«الأمر المضحك»، مشيراً إلى أن «من عقدوا هذا المؤتمر مهزومون ولاجئون في دول أخرى». وأضاف أن «هذه المؤتمرات المشبوهة لا تخدم أحداً في البلاد، لأن من دعا الى عقد هذا المؤتمر لا يمثلون احداً سوى انفسهم».
من جهتها، قالت النائبة عن «تحالف القوى العراقية»، جميلة العبيدي، إن «مؤتمر القوى السنية سيجمع جميع رؤساء الكتل السياسية وبعض المنظمات السياسية»، مضيفة أن «الأميركيين أيضاً جرت دعوتهم».
وكان عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر، خالد العلواني، قد قال في حديث صحافي، أول من أمس، إن «المؤتمر... برعاية وزير المالية السابق رافع العيساوي ومحافظ نينوى أثيل النجيفي»، مؤكداً أن «الاجتماع ستحضره كل القوى السياسية وشيوخ العشائر ورجال الدين، كذلك سيحضر المؤتمر نائب رئيس الجمهورية لشؤون الأمن، أسامة النجيفي، ونائب رئيس الوزراء صالح المطلك، فيما يرحب الاجتماع بكل الشخصيات والأطراف المعارضة للعملية السياسية وكل ممثلي المحافظات الست التي تقاتل (داعش) للمشاركة». وأضاف العلواني أن «المؤتمر هو لمناقشة الوضع الأمني في المناطق التي تخضع لسيطرة المسلحين، والبحث في آليات إعادة تلك المدن إلى حضن الدولة».
(الأخبار)