تونس | لا برامج انتخابية واضحة للمرشحين الاثنين إلى الانتخابات الرئاسية. وقليلون هم، أيضاً، من سألوا عن تلك البرامج.
اليوم، عشية الدورة الثانية، يبدو أكيداً أن المنصف المرزوقي (69 عاماً) والباجي قائد السبسي (88 عاماً) قد أسهما في الأسابيع الأخيرة في إبعاد الصراع الانتخابي عن دائرة طرح المشاريع والخطط، لا بل استغلا المجال المتاح أمامهما لتوجيه خطابات شخصية، لا تعكس حقيقة التنافس.
وذهب المرشحان إلى ما هو أبعد من ذلك. فهذا يباهي بسنّه وبمقدراته الصحية، فينشر ملفه الصحي على شبكات التواصل الاجتماعي، أو يلعب كرة القدم، مثلاً، غامزاً من قناة أن منافسه غير قادر على ممارسة مهمات الحكم. الآخر يرد بعبارات ذات إيحاءات غير لائقة، ويفاخر بإنجازات صباه التي لم يتوصل منافسه إلى تحقيقها برغم صغر سنه، نسبياً.

وانسحبت السجالات الموغلة في الشخصنة إلى حد أن انصبت عليها اهتمامات كثير من التونسيين. وصار الشغل الشاغل لهؤلاء رصد «زلات اللسان» (اعترف بها المرزوقي)، وأمور أخرى لا علاقة لها بالحملة الانتخابية وبالتنافس على رئاسة البلاد للأعوام الخمسة المقبلة.
ومن الدلالات على غياب البرامج الانتخابية، الصعوبات الجمة التي يلاقيها المراقب لاستخلاص نقاط الاختلاف في الطرح حول الوضع الأمني أو الاقتصادي أو السياسة الخارجية، مثلاً.

«الإرهاب»

وبرغم اللقاءات الإعلامية الكثيفة، وبرغم أهمية ملف الإرهاب الذي يتهدد داخل البلاد، فقليلة وباهتة هي محطات استعراض التصورات بهذا الشأن.
ووفق نظرة الباجي قائد السبسي لملف الإرهاب، فإن الظاهرة تعتبر جديدة على التونسيين، وهي، وفقاً له، تأتي في سياق ما يحدث في الدول المجاورة وأن القضاء عليها يتطلب تعاوناً مع عدد من الدول المجاورة، على غرار الجزائر. ويعتبر أنه يجب وضع اتفاق استراتيجي مع الجزائر وبقية دول الجوار. واكتفى الباجي بالتعهد بالقضاء على «أسباب الإرهاب الرئيسية... وهي الفقر والتهميش... وبدعم المؤسستين الأمنية والعسكرية وإدخال إصلاحات عليهما حتى تؤديا مهمتهما بالنجاعة المطلوبة».
أما المنصف المرزوقي، فقد اعتبر أن حل «معضلة الإرهاب» يتمثل في تنمية المناطق الحدودية وهي مناطق وصفها «بالمعاقبة بحرمانها من الازدهار»، مضيفاً إنه سيواصل دعم الجيش لوجستياً وسيكون الضامن لاستقرار تونس وحماية البلاد من الإرهاب والمحافظة على نمط عيش التونسيين. واعتبر المرزوقي أن حل الملف مرتبط بالوضع في ليبيا، الذي أشار إلى أنه يضطلع بمهمة محورية فيه، حيث يحاور طرفي النزاع هناك ويسعى إلى تقريب وجهات النظر بينهم.

الاقتصاد والسياسة الخارجية

لغة خشبية أخرى يتواجه من خلالها الخصمان. فهما أكدا أنهما سيسعيان لجلب الاستثمار وتحسين العلاقات مع شركاء تونس وتدعيم التنمية ودفع عجلة الاقتصاد، وهي تصورات على شكل قوالب جاهزة، لكن يعلم الجميع أنها ستكون محكومة بالتزامات تونس تجاه المنظمات المالية المانحة (البنك الدولي وصندوق النقد).
وفي ما يتعلق بالسياسة الخارجية، وهي في صميم صلاحيات رئيس الجمهورية المقبل، فإن الباجي قائد السبسي ركز خطابه على نقد «أخطاء المرزوقي» في تعامله مع بعض الدول «الصديقة» على غرار مصر وبعض دول الخليج، معتبراً أن خصمه «خرّب» العلاقات مع أغلب الدول. وشدد على وجوب عدم التدخل في الصراع الليبي.
في المقابل، اعتبر المرزوقي أن علاقات تونس المفصلية ستكون مع أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، ومع محيطها الأفريقي والمغاربي، وخاصة مع «شقيقتها الجزائر». وقال إن الجميع يلومه على طرد سفير سوريا عام 2012 وعلى تعكير الأمور مع مصر، معتبراً أن ذلك ليس إلا «أموراً مفتعلة» لانتقاده. ويستدرك في الوقت ذاته أنه سيسعى، مستقبلاً، إلى عدم فتح أي جبهات جانبية لأزمات دبلوماسية.

عموماً، يسود، اليوم السبت، «الصمت الانتخابي»، حيث تمنع على المرشحين التصريحات الإعلامية وتوجيه الناخبين. وبعد استحقاق انتخابي دام شهرين، كلف البلاد موارد مادية هامة وأنفقت فيه الأحزاب أموالاً طائلة، يتوجه التونسيون لانتخاب من يرونه يمثلهم، فيما يوحي المشهد بأن الرئيس المقبل لن يمثل حتماً كل التونسيين، بل مناصريه ومسانديه فقط.