منذ الإعلان قبل أسابيع عن اقتراح المبعوث الدولي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، تجميد القتال في مدينة حلب في الشمال السوري، بات من الصعب الفصل بين الأحاديث الدبلوماسية بشأنها وبين ما يرافقها من تطورات ميدانية في «عاصمة الشمال» وفي محيطها، من ريف ادلب حتى الحدود الشرقية للبلاد، كما الفصل مع الرمزيات المثقلة، عن قصد أو غير قصد، لبعض الأحداث.
أمس، كان «الحدث ــ الرمزي» في العاصمة التركية أنقرة، حين أدى الرئيس رجب طيب أردوغان، «صلاة الجمعة»، برفقة أمير قطر، تميم بن حمد، في أحد المساجد التاريخية للعاصمة (وفق وكالة الأناضول)، في ما يشبه الإعلان عن الانطلاقة الجديدة للعلاقات بين البلدين الحليفين، بعد كل ما قيل عن أثر التفاهمات الخليجية و«المصالحات» في مسألة إبعاد الدوحة عن «محور الإخوان المسلمين» في الشرق الأوسط.
وترافق ذاك الحدث مع إعلان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن بلاده قد تبدأ بتدريب وتجهيز «مقاتلي المعارضة السورية المعتدلين» قبل شهر آذار المقبل.
وأشار جاويش أوغلو، في سياق حديثه، إلى أن العرض المقترح من قبل دي ميستورا، بشأن تجميد القتال في مدينة حلب، «قد أعِدَّ بنيّة حسنة، ولكن يجب توفير ضمانات تكفل تحقيق عملية التنفيذ». كما أعرب عن «دعم تركيا لخطة دي ميستورا، أو أي خطة تهدف إلى وقف الصراع والاضطهاد ووقف سفك الدماء وإطلاق النار».
عموماً، فإن ما يمكن وصفه بإعادة الروح إلى العلاقات التركية ــ القطرية كان واضحاً من خلال تصريح رجب طيب أردوغان، الذي قال إن البلدين لم يشهدا حتى اليوم أي خلافات في وجهات النظر، مضيفاً: «إنهم وقفوا دائماً متضامنين إلى جانب المظلومين في العالم».
من جهته، أكد تميم بن حمد أن «قطر وتركيا تسعيان إلى تفعيل حل سريع للأزمة السورية، وقد سعينا جميعاً لحل هذه المشكلة منذ بدايتها، كما أننا نقف إلى جانب الشعب العراقي، لذا نرى أن تشكيل حكومة جديدة هو بداية حل لهذه الأزمة». وفي ملف العلاقات الاقتصادية القطرية ــ التركية، قال، في المؤتمر الصحافي المشترك مع اردوغان، «نفتخر بوجود العديد من الشركات التركية المستثمرة في قطر، كما أننا نرحب بالاستثمار في جميع القطاعات». وأضاف «نعطي أهمية كبيرة للقوات المسلحة القطرية في بلدنا، لهذا نريد أن نستفيد من التجربة العسكرية للجيش التركي». وكان وزير الدولة القطري لشؤون الدفاع، حمد علي العطية، قد وقع، أمس، مع نظيره، عصمت يلماز، اتفاقاً للتعاون العسكري بين البلدين، وذلك من ضمن ما أنتجته الزيارة، من توقيع الزعيمين على الاتفاقية المشتركة لتأسيس اللجنة الاستراتيجية العليا.
وبشأن الاتفاقية، ذكر أستاذ العلاقات الدولية في «جامعة يلدريم بايزيد»، أيوب أرصوي، أن «تركيا لأول مرة في تاريخها تحقق هذا النوع من التقارب مع دولة من دول الخليج»، مشيراً إلى أن البيان السياسي المشترك الذي وقعه الزعيمان ــ وبموجبه سيتم تشكيل اللجنة المذكورة ــ «يبشر بانعكاسات إيجابية لهذا التقارب؛ على العلاقات بين البلدين».
من جهته، اعتبر رئيس المركز الدولي لأبحاث الشرق الأوسط للسلام، فايسل أيهان، أن « قطر تعرضت لضغوط كبيرة من أجل طرد الإخوان المسلمين من أراضيها، ولا سيما من قبل السعودية. وأؤكد ثانية أن هذه الزيارة لها أهمية كبيرة من حيث التوازنات في المنطقة، وثمة تعاون عميق بين تركيا وقطر اقتصادياً ودبلوماسياً».
إلى جانب ذلك، فإن الحديث الدبلوماسي عن «الأزمة السورية»، لم يقف في أنقرة، أمس، بل كان بارزاً ما أعلنه الأمين العام السابق لحلف شمالي الأطلسي، أندرس فوغ راسموسن، في افتتاح ندوة «السلام في الشرق الأوسط، اللاعبون، المشاكل وسبل الحل»، التي نُظمت في ولاية غازي عنتاب التركية، الحدودية مع سوريا. فقد استحضر راسموسن النموذج البوسني كحل «للأزمة في سوريا»، معتبراً أنه «ينبغي تقاسم البلاد في إطار التوزعات الإثنية والدينية، عبر اقناع (الرئيس بشار) الأسد بمغادرة السلطة». ورأى، في الوقت ذاته، أن «هذه الصيغة ليست الحل الأمثل، إذ تعد الخلافات الدينية والإثنية في سوريا، أعمق من البلقان».
وفي سياق لا ينفصل عن وجهة التطورات السياسية والميدانية في سوريا، أعلنت الخارجية الروسية أن هناك «أسساً جدية» للاعتقاد بأن تنظيم «الدولة الإسلامية» استخدم المواد السامة في سوريا. وقالت، في بيان: «ارتباطاً مع العمل المستمر لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية على كشف وقائع محتملة لاستخدام غاز الكلور في سوريا كسلاح كيميائي، أحالت دمشق إلى المنظمة معلومات هامة تفيد بأنه كانت هناك حالات استيلاء من التشكيلات غير الحكومية على منشآت صناعية تخزن فيها مواد تحتوي على الكلور». وأضافت الخارجية: «بالتالي هناك أسس جدية للاعتقاد بأن مقاتلي المعارضة المسلحة السورية، وخاصة تنظيم الدولة الإسلامية، متورطون في استخدام هذه المواد السامة للأغراض الإرهابية». وأعربت عن أملها بأن تأخذ البعثة الدولية المعلومات التي قدمتها لها دمشق بعين الاعتبار، وأن تقوّمها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية «حق التقويم».
في غضون ذلك، اعتبر رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، علي أكبر ولايتي أن بلاده «ومن دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، تستخدم جميع طاقاتها وقدراتها لحل المشاكل الإقليمية وصون وحدة العالم الإسلامي». وأشار ولايتي إلى «القضية السورية»، قائلاً على الشعب السوري أن «يتخذ (قراره) بعيداً عن تدخلات دول الجوار والدول الأخرى في المنطقة والعالم»، لافتاً، في الوقت ذاته، إلى أنه «حتى إن بعض أصدقائنا الذين توجهوا الى سوريا للدفاع عن أرواح وأعراض وأموال الشعب السوري إنما جاء ذلك بعدما توجه الإرهابيون من مختلف مناطق العالم إلى هناك لتغيير مصيره بقوة السلاح، وهو أمر مرفوض».
(الأخبار)