غزة | حتى الأمس القريب، كان الباب موصداً أمام المصالحة الوطنية الفلسطينية، لكن حراكاً فصائلياً جاء ليحرك المياه الراكدة منذ أكثر من شهر بين طرفي الصراع على السلطة، حركتي «حماس» و«فتح». هذا الحراك الذي جمع الحركتين، للمرّة الأولى منذ وقوع الانفجارات الداخلية ضدّ منازل قيادات فتح في غزة، على طاولة واحدة، أول من أمس، يحمل مبادرة قدمتها ثلاثة فصائل هي (الجهاد الإسلامي، الجبهة الشعبية، والديموقراطية) لاستئناف الملفات العالقة نتيجة التصادم والمشاحنة بين الطرفين الرئيسيين.
لكن يبدو أن الظروف لا تزال غير مؤاتية، في الوقت الراهن، لإنهاء الانقسام، وخاصة أن «حماس» تربط استكمال المصالحة بتحمّل الحكومة والسلطة معاً مسؤولياتهما تجاه قطاع غزة، وبالتحديد في مسألة دفع رواتب الموظفين العسكريين، الذين عينتهم حكومتها السابقة، فيما تتطلع «فتح» إلى حكومة رسمية قادرة على بسط نفوذها على كل من الضفة والقطاع، ومن جديد حل مشكلة «الدحلانيين في غزة».
بين هذا وذاك، قالت القوى الوطنية والأحزاب اليسارية في غزة، إنّ الحلّ المناسب لإنهاء الخلاف بين الطرفين، الذي كان قد نشب منذ التفجيرات في السابع من تشرين الثاني الماضي، هو فتح التحقيق في الحادثة، والشروع في الحوار من حيث انتهى. هنا ذكر القيادي في «الجهاد الإسلامي»، خالد البطش، أن حركته ارتأت، بالاشتراك مع الفصائل الأخرى، استئناف المصالحة من نقطة الانتهاء التي بلغتها، إذ قرروا الدفع اتجاه استئناف التحقيقات الأمنية في غزة، بغية الكشف عن منفذي تفجيرات منازل قيادات «فتح»، بالإضافة إلى ضرورة وقف التراشق الإعلامي.
«حماس» تربط استكمال المصالحة بتحمّل الحكومة والسلطة مسؤولياتهما تجاه غزة


وقال البطش لـ«الأخبار»: «من الأهمية بمكان أن تمارس الأجهزة الأمنية دورها في البحث عن منفذي التفجيرات وتقديمهم للعدالة، وذلك حتى نمهد الطريق أمام المصالحة من جديد»، مشدّداً، في الوقت نفسه، على أهمية أن تنفذ حكومة التوافق الفلسطينية مهماتها تجاه قطاع غزة، وتسلم إدارة المعابر.
يأتي ذلك في وقت يواجه فيه رئيس السلطة، محمود عباس، موجة غضب عارمة في القطاع يقودها أنصار النائب في البرلمان الفلسطيني عن «فتح» محمد دحلان، تطالب بإسقاطه. على ضوء ذلك، قال مصدر رفيع في «فتح» لـ«الأخبار»: «وجود ما يسمى الحراك الفتحاوي في غزة ضد الرئيس أبو مازن، ينفي عن حماس رغبتها في المصالحة ويعمق الانقسام أكثر». وأضاف المصدر، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه: «إذا كانت حماس متمسكة بالمصالحة، فمن باب أولى أن تحافظ على البيت الفتحاوي، وألا تعطي مساحة للمغرضين للتطاول على شخص الرئيس... موافقتها على خروج الجماهير، للنيل من شخصية عباس، يعني رضاها عن هذا الحراك، ومحاولة منها لتعميق الشرخ بين أبناء فتح».
كذلك شكّك في ما سماه «شجاعة حماس» في الإعلان عن أسماء منفذي التفجيرات ضد قيادات «فتح»، قائلاً «منذ لحظة وقوع التفجيرات، كانت الحركة قادرة على تبرئة ذمتها بالكشف عن المتورطين، لكن تنصّلها من دون دليل يؤكد تورطها في الأمر». وعبّر عن استعداد حركته لاستئناف المصالحة، في حال ما سماه «تفكيك حكومة الظل التي تديرها حماس في غزة»، والسماح لحكومة الوفاق ببسط سيطرتها على القطاع، وإدارة القضايا اليومية للمواطنين الفلسطينيين. ما يعني، وبإشارة واضحة، أنّ أفق المصالحة لا يزال بعيداً.
حتى «حماس» لم تعط مبادرة استئناف المصالحة، التي قادتها فصائل العمل الوطني في غزة، أي أهمية، لقولها إن الأصل في الأمر أن تواصل «الوفاق» عملها في غزة، كما عليه الحال في الضفة. وخفض ممثل «حماس» في لجنة القوى الوطنية والإسلامية، خليل نوفل، سقف التوقعات في حدوث انفراج في ملف المصالحة، قائلاً: «هذا اجتماع دوري لكلّ الفصائل، ولم يعقد لمناقشة مسألة المصالحة، بل جاء لمعالجة ومناقشة عدد من القضايا، المصالحة واحدة منها».
وأكد نوفل لـ«الأخبار» أنّ المطلوب الآن هو «ضلوع حكومة رامي الحمدالله بالدور المنوط بها في غزة، وألا تبقى تتعامل على أنها حكومة لشعبين»، مؤكداً استعداد حركته لإنجاز المصالحة الوطنية في أقرب وقت ممكن. وعن دور الحرك الفتحاوي القائم ضد عباس، قال ممثل «حماس» في القوى الوطنية: «الخلافات الداخلية قائمة منذ زمن، ولا علاقة لنا بها، لكننا معنيون بفتح القوية، صاحبة البرنامج الوطني، التي كانت تحمل البندقية لأجل تحرير فلسطين». مشدّداً على رفض «حماس» الخلافات الداخلية في أي من التنظيمات القائمة على الساحة الفلسطينية، لقوله إنّ «قوة التنظيمات تعني قوة للقضية الفلسطينية وللبرنامج الوطني».