القاهرة | رغم وجود بعض القضايا العالقة التي يجري التفاوض عليها خلال الساعات الراهنة بين كل من مصر وقطر، فإن صفحة الخلاف توشك على الانتهاء، على الأقل في المستوى السياسي. هي ثمرة جهود حثيثة من اللواء عباس كامل، وهو مدير مكتب الرئيس عبدالفتاح السيسي، ورئيس الديوان الملكي السعودي خالد التويجري.
مصادر رئاسية تكشف لـ«الأخبار» عن أن اللقاء الثلاثي الذي جمع السيسي بالتويجري والمبعوث الخاص للأمير القطري محمد بن عبد الرحمن، مساء أول من أمس، جاء ضمن المبادرة السعودية التي أطلقها الملك عبدالله للصلح بين البلدين، على خلفية الرفض القطري لـ«ثورة 30 يونيو» ووصفها بالانقلاب، فضلاً على استضافة الدوحة وحمايتها لقادة جماعة «الإخوان المسلمين» على أراضيها، ومؤازرتهم إعلامياً.
وقالت المصادر نفسها إن اللواء كامل سافر الأسبوع الماضي إلى الرياض حيث التقى مسؤولين قطريين من أجل استكمال المصالحة التي ترجمت عملياً بتخفيف في لغة التصعيد من قناة «الجزيرة»، إضافة إلى التوقف القطري عن التدخل في الشأن المصري الداخلي، أكان بدعم قيادات الإخوان الموجودين على أراضيها أم بتوفير الأموال لهم، كما جرى الحديث عن ضرورة أن يكون الموقف القطري مشابهاً لباقي مواقف دول الخليج تجاه مصر.
خلال اللقاء، جرت المطالبة المصرية بتسريع التغيير في لغة الخطاب الإعلامي تجاه القاهرة، وخاصة من «الجزيرة الدولية» التي اتهمتها القاهرة بالمسؤولية عن تشويه صورة مصر وتنفير السياح من زيارتها، ما زاد في تدهور الاقتصاد المحلي، مع تغيير تدريجي في سياسة «الجزيرة مباشر ـ مصر»، وخاصة وقف رسائل الإساءة إلى السيسي التي تظهر في شريط القناة.
اللقاء المرتقب بين السيسي وتميم سيكون في الرياض
بعد انتهاء زيارة الأول للصين
هذا على الجانب الإعلامي. أما من الناحية الاقتصادية، فركز الحوار على «التفاوض الودّي» لحل المشكلات العالقة بين الجانبين، على صعيد الشركات أو الوزارات، من دون اللجوء إلى التحكيم الدولي. ولم يتطرق الطرفان إلى مبلغ نصف مليار دولار للبنك المركزي القطري تبقّى من أصل 2.5 مليار دولار هو أصل الوديعة القطرية في زمن الرئيس المعزول محمد مرسي، على أن يكون سداد المبلغ الباقي في شباط المقبل، بعدما تسلمت الدوحة المليارين في الشهر الماضي.
وقبل عقد لقاء القمة، وضعت شروط حول ما يمس غلاف مصر، إذ تضمنت المبادرة أن تتوقف الدوحة عن دعم قوات «المعارضة الليبية» بالأموال أو صفقات السلاح، على اعتبار أن استمرار حالة الفوضى في ليبيا يهدد الاستقرار الأمني في مصر، فضلاً عمّا يشكله من تدخل في الأمن القومي المصري، كما شدد مسؤولون أمنيون حضروا اللقاء في الرياض.
في مقابل كل ذلك، ستقدم القاهرة عدة تنازلات، من بينها التغاضي عمّا وصفتها بـ«تجاوزات قطرية للمبادرة السعودية خلال الأسبوعيين الماضيين». ومع أن دوائر صناعة القرار في مصر كانت تتحفّظ على لقاء السيسي مبعوث الأمير القطري، فإن الرئيس المصري تمسّك باللقاء باعتباره مبادرة حسن نية من مصر تجاه قطر، فضلاً عن أنها تقدير للمبادرة السعودية، وكي لا يؤخذ الرفض على أنه وضع للعصا في الدواليب.
وكان يفترض أن تنعقد قمة السيسي ــ تميم مساء أمس، وقد جرت الترتيبات على أعلى مستوى لضمان حصولها، لكن المصادر أوضحت أنه جرى تأجيل الموعد إلى حين عودة السيسي من زيارة للصين يبدأها اليوم. ويفترض أن يلتقي الرجلان في الرياض في أثناء عودة السيسي من بكين الخميس «إذا استمر الجانب القطري في الالتزام بتعهداته بشكل كامل».
وفي ظل التصعيد على الجانب التركي، مع إعلان «برلمان الإخوان» هناك، جرى الاتفاق على أن تكون العلاقات القطرية ـ التركية بعيدة عن الجانب المصري، إذ على الدوحة الاهتمام بمصالحها فقط، لكن بشرط أن تساند قطر أي موقف مصري في المحافل الدولية بعيداً عن السياسة التركية المعادية للسيسي. ومن النقاط التي بقيت عالقة هي طرد باقي قيادات الإخوان من قطر وتطبيق قانون تبادل المجرمين والمطلوبين للقضاء، وهي النقطة التي يستمر التفاوض فيها. كذلك رهن عقد القمة بين السيسي وتميم بمدى التزام الأخير بتعهداته كلياً.
في غضون ذلك، أفادت صحيفة «نيويوك تايمز» الأميركية بأنه «رغم اجتماع قادة الدول الخليجية في الدوحة، في وقت سابق من هذا الشهر، ومع أنهم تبادلوا التحيات والقبلات متّحدين ضد عدوّين مشتركين هما إيران وتنظيم داعش، فإن الانقسام لا يزال مستمراً». ونقلت الصحيفة في مستهل تقرير نشر أول من أمس، عن مسؤول مصري رفيع المستوى، قوله «لا شيء تغيّر، لا شيء على الإطلاق»، مشيرة في هذا الإطار إلى أن التوترات المستمرة بين قطر وجيرانها تثير تساؤلات بشأن قدرة الدول الخليجية على إيجاد استجابة متماسكة لعاصفة الأزمات التي تعصف في المنطقة. وأوضحت الصحيفة أن الخلاف الأساسي يكمن في دعم قطر للإسلاميين في المنطقة، ولا سيما «الإخوان»، وهو ما تعتبره السعودية والإمارات، إضافة إلى مصر، تهديداً لأمن الشرق الأوسط. لكن صحيفة «نيويورك تايمز» نقلت عن مسؤولين حكوميين من جانبي الخلاف الخليجي، اعترافهم بأن قطر «نادراً ما تتزحزح» عن مواقفها.
كذلك، قال مسؤول قطري، تحدث شرط إخفاء اسمه، إن «البيان المشترك، الصادر عن مجلس التعاون، الذي يدعم خريطة الطريق المصرية كان أشبه ببيان صحافي لا يحمل الكثير من الأهمية». وأضاف المسؤول: «سندعم الشعب المصري»، مؤكداً في الوقت نفسه أن «السياسة التحريرية لقناة الجزيرة مستقلة»، لذلك «يجب على الدول الأخرى عدم خلق قضايا سياسية، فقط لأنه توجد قناة تبثّ ما يحدث». إضافة إلى ما سبق، أشارت الصحيفة إلى أنه «رغم أن قطر طلبت من بعض أعضاء جماعة الإخوان مغادرة الدوحة بسبب أنشطتهم السياسية، فإن عشرة أعضاء أو أقل قد التزموا بذلك»، كما أفاد قياديون في «الإخوان» ومسؤولون قطريون.