عمان | تستأنف اليوم محكمة أمن الدولة الأردنية محاكمة الرجل الثاني في جماعة الإخوان المسلمين زكي بني أرشيد، بعد أن قررت المحكمة تأجيل النظر في القضية للدراسة والنظر في «مذكرة الدفوع» التي قدمتها هيئة الدفاع المشكلة.الحكومة الأردنية عبر محاكمتها نائب الأمين العام الأسبق للجماعة توجه ضربة هي الأقوى من نوعها ضد الجماعة، خاصة بعد رفض بني أرشيد الاعتذار للإمارات مقابل إطلاق سراحه، عبر وساطة حكومية، وفق ما قاله بني أرشيد أثناء الجلسة الأولى من محاكمته الخميس الفائت للنظر في التهمة المسندة اليه، وهي «تعكير صفو العلاقات مع دولة شقيقة» إضافة إلى «القيام بأعمال لم تجزها الحكومة».

ولفت بني أرشيد في بداية الجلسة الماضية إلى أنه أحضر إلى المحكمة رغماً عنه لعدم اختصاصها ولاقتناعه بأن «المحكمة شكلت بقرار مناقض لأحكام الدستور»، معتبراً أن «قانون المطبوعات والنشر هو صاحب النظر في قضيته، وهو المختص في النظر في التهمة المنسوبة اليه».
وأوضح أن الإجراءات التي تمت بحقه منذ لحظة الاعتقال حتى لحظة إصدار لائحة الاتهام غير دستورية وطالب بردّ الاعتبار له.
ويرى بعض القيادات «الإخوانية» أن «اعتقال بني أرشيد محاولة لإرضاء الإمارات والدخول في تحالف دول الاعتدال ضد «الإخوان المسلمين» في المنطقة، وليّ ذراع الجماعة ومحاولة لاستفزازها ثم إجراءات غير معلومة»، في حين نفت الحكومة الأردنية في وقت سابق أن تكون هناك أي حملة تستهدف الجماعة، رافضةً البحث أو التدخل في قضية اعتقال بني أرشيد، معتبرةً أن القضية «شأن قضائي».
في المقابل يرى بعض المراقبين أن الاستمرار في محاكمة بني أرشيد محاولة لجرّ «الإخوان» إلى مأزق سياسي مع الحكومة يؤدي في النهاية إلى قرار بحل الجماعة، خاصة بعد توافق المصالح بين مثلث دول الاعتدال التي صنّفت الجماعة ضمن لائحة المنظمات الإرهابية (مصر، السعودية، الامارات). هذا السيناريو المتعلق بتعامل الدولة حيال إقصاء الجماعة عن الحياة السياسية في الأردن، إضافة إلى سلسلة الاعتقالات التي مارستها على عدد كبير من أعضائها، الخيار يبقى الأبعد بين التوقعات المطروحة، خاصة بعد تأكيد الملك عبدالله الثاني، في أكثر من لقاء، أن «الإخوان» مكوّن رئيسي في المجتمع الأردني.
إلا أن حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية للجماعة، جدد التأكيد أن محاكمة بني أرشيد سياسية، ولا علاقة لها بالعمل القضائي، و«مؤشر حقيقي على أن البلاد لا تسير بالاتجاه الصحيح».
ويرى الأمين العام للحزب، محمد عواد الزيود، أن «مجريات المحاكمة تؤكد أن هناك ردة عن الإصلاح، وانتكاسة حقيقية للحريات العامة، واستمراراً للذهنية الأمنية، والحل الأمني».
وأكد الزيود في حديث إلى «الأخبار» رفض الحزب رفضاً مطلقاً لهذه المحاكمة، واعتبرها اعتداءً على حق كل مواطن أردني في التعبير عن رأيه واقتناعاته.
ويتوقع قانونيون أن يعلن القاضي اليوم عدم اختصاصه في قضية بني أرشيد، بعد مذكرة الدفاع، وخاصة الفترة الزمنية القصيرة بين الجلسة الأولى والثانية.
وشدد رئيس هيئة الدفاع عن بني أرشيد، المحامي صالح العرموطي، على أن «محكمة أمن الدولة غير دستورية، حيث أنشئت في ظروف خاصة في عام 1959 بسبب محاولة اغتيال الملك حينها، وأن هذه الظروف قد زالت، وقد صدر لاحقاً قرار في عام 1990 يقضي بإلغاء الأحكام العرفية».
وأضاف العرموطي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «المحاكمة سياسية وليس لها أي علاقة بالقضاء، ولا يمكن أن تتوقع أيّ شيء من قبل محكمة أمن الدولة»، موضحاً أن «هئية الدفاع بصدد تقديم طلب من محكمة أمن الدولة لتحويلها إلى محكمة الجنايات، وقد تقبل أمن الدولة الطلب ويكون بني أرشيد أول من طبّق عليه القانون الذي أقرّه مجلس النواب، بعدم تحويل المدنيين إلى محكمة أمن الدولة بكونها عسكرية».
«شد وجزر بين الدولة والجماعة»، هكذا عبّر مسؤول حكومي فضّل عدم ذكر اسمه.
وأضاف المسؤول الحكومي أن «مؤسسة القرار حاولت بمحاكمة بني أرشيد إنذار الجماعة أنها لا تقبل الخطأ مع حلفائها في المنطقة»، وفيما استبعد استمرار حبس بني أرشيد، لفت إلى أن «خطوة الإفراج عنه ستكون واردة جداً في الأيام المقبلة».
من جهته، وصف الكاتب السياسي، راكان السعايده، أن محاكمة بني أرشيد «محاكمة سياسية الطابع، وذات صلة بعلاقة الأردن ومصالحه مع دولة الإمارات»، مضيفاً أن «التوقعات حيال مسار المحاكمة يرتبط ارتباطاً عضوياً بطبيعة الحوار الأردني ـ الإماراتي بشأن القضية».
ولفت السعايده في حديث إلى «الأخبار» إلى أنه «ليس أمام المحكمة من خيار ثالث؛ إما أن تصدر حكماً يدين ويجرّم ما قاله بني أرشيد بحق الإمارات وما أصدرته من قائمة عدّدت التنظيمات والهيئات الإرهابية، وإما أن تحكم بعدم الإدانة واعتبار ما صدر عن بني أرشيد يدخل في حرية الرأي والتعبير».
يذكر أن لقاءً جمع بين الملك عبدالله الثاني ووزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، أمس في عمان، قبيل ساعات من محاكمة بني أرشيد.