"الأحد"على رنين المنبه الاشبه بالصراخ، في السادسة صباحاً، أنت مدعو إلى التذمر. تنكمش، تتلوى كأفعى تحت الغطاء، تواصل الرنات المزعجة هزك بعنف كما لو كانت اذرع اخطبوط. يفزعك الصراخ الآتي من المطبخ والمتشح برائحة الهال والقهوة: "إنها السادسة والنصف انهض"! ترشق الماء على وجهك فتصفعك قطراته بيد باردة، تفتح عيناك أخيرا وتخرج من غيبوبتك.

للتو خرجت من حلم ربيعي لتحط في ارض الحياة المتعبة والمليئة بالأسئلة والطرقات. في الطرقات ستشاهد اللبارحة في يومك، السيارات والمشاة ذاتهم. وعلى الحاجز العسكري ستشاهد وجوهاً مختلفة بنكهة واحدة. صباحك يتعثر عند أولى ساعاته، ستبحث عن بطاقتك الشخصية وعن وجهك الذي افترسته عيون جيش الاحتلال وعن اسمك، وربما سترش الكثير من صوت فيروز الصباحي على الحاجز. ستقرأ صحف الصباح كعادتك... أخبار الصباح جرعة من الألم والحزن تكفيك طوال اليوم.
هذا الروتين اليومي يفتح أبواب الكثير من الأسئلة على الدنيا، هل يا ترى اعتاد المفاوض الفلسطيني على عدم التفاوض؟ أم ثمة مفاوضات سرية لن تسفر عن شي كالعادة؟ صباح الخير يا وطني! صباح الخير على حيفا ويافا وبيارات الذاكرة... صباح الخير على غزة العزة... صباح الخير على من غرقوا هرباً... و لم يدقوا جدران البحر!

من بعيد يصعقك صوت الجرس المدرسي ويخرجك من شرودك ومن أسئلة الصباح، يرمقك المدير العادي المقطب الجبين بنظرة عابرة، فتسابق الوقت كي لا ترسم اسمك تحت خط أحمر كثير التعرج في دفتر الحضور. وعليك أن تكمل نشيدك الوطني في الأعماق وان ترافق الأسراب إلى الغرف الصفية. لا وقت لديك لتكتب صباحاتك، فحاضرك كله امتلاء وعطاء. هاتفك النقال يواصل الاهتزاز في جيبك. ستكون خارج التغطية وخارج الزمن، عبداً للوقت، جسداً لا يمرض.
وعليك أن تفتش في براءة الأطفال عن حلم للغد، ربما يكون جميلاً حتى التعب. وستعتاد أوتارك الصوتية على أن تصدح بلا توقف بحثاً عن الوطن الضائع في المنهاج المدرسي...

(الاثنين) على نبضات صوت المنبه، (الثلاثاء) في السادسة صباحاً أنت مدعو إلى التذمر، (الأربعاء) تنكمش تتلوى كأفعى تحت الغطاء تواصل الدقات المزعجة هزك باذرع الأخطبوط، (الخميس) يفزعك الصراخ الآتي من المطبخ والمتشح برائحة القهوة والهال، إنها السادسة والنصف! انهض... انهض. أيتها النافذة الضيقة: في عينيك طفل يركض خلف فقاعة تحملها الريح في فمك الرطب. أطالع الزمن الناعم وابحث عن لغتك، وعن ما قبل الفقاعة وعن ما قبل حبة التفاح.