انهار الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي خلال اليومين الماضيين بعدما تجاوز الفارق بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء حاجز 1.30 قرشاً للمرة الأولى، وسط طلب متزايد على العملة الصعبة وإجراءات جديدة من البنك المركزي من شأنها ــ كما قال رئيسه طارق عامر ــ تخفيف الطلب على الدولار وترشيد صرفه، خاصة بعد القرار الرئاسي بضرورة تقييد الاستيراد والتوقف عن استيراد المنتجات التي لها بدائل محلية، وفرض المزيد من الجمارك على جميع السلع المستوردة التي صدر قرار رئاسي بشأنها بداية الشهر الجاري.
واتخذ رئيس البنك المركزي، أمس، قراراً بإغلاق محلَّي صرافة بسبب توفيرهما الدولار بسعر السوق السوداء، وهي حالة جميع المحلات عملياً في ظل عجز البنوك عن توفير الدولار للمستثمرين والراغبين في السفر، وتزايد المضاربات، وذلك وسط تفتيش مكثف عليها وتهديدات بالإغلاق لمدد ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر، في حال مخالفة الأسعار الرسمية في البيع والشراء. لكن شركات الصرافة لجأت إلى بيع وشراء الدولار خارج مقراتها تجنباً للملاحقات الشرطية وتفتيش البنك المركزي.
وأوقف البنك المركزي المعاملات الدولارية التي تجري ببطاقات الائتمان الصادرة عن البنوك المصرية في الداخل، ومنح الشركات والهيئات فرصة لتصحيح أوضاعها في غضون شهرين على الأكثر وتعديل أنظمة التشغيل الخاصة بها، وهي خطوة يحاول بها «المركزي» الحد من الشراء بالدولار بعد تزايد استخدامه أخيراً بديلاً من شراء الدولار من البنوك الذي صار يخضع لقيود وإجراءات في غاية التعقيد ويستغرق ساعات.
واستقر سعر صرف الدولار في البنك عند 7.83 قرشاً، فيما وصل في السوق السوداء لأكثر من 9.13 وسط نقص في المعروض. ويقدر خبراء السعر العادل للدولار عند 8.50 قرشاً، لكن «المركزي» يقول إنه قادر على توفير العملة الصعبة للمستثمرين. بل أكد عامر أنه وفر ثلاثة مليارات دولار خلال الأسابيع الماضية، بالإضافة إلى تسديد الديون لمصلحة «نادي باريس» وشركات البترول.
الطفرة في سعر الدولار في السوق السوداء جاءت مع قرار البنك المركزي رفع سقف الإيداع الدولاري للشركات في البنوك إلى مليون دولار بدلاً من 250 ألفاً أول من أمس، وهو ما رأت فيه وحدة أبحاث «بلتون فاينانسيال» خطوة نحو تعويم الجنيه مجدداً، الذي قررت الحكومة اعتماده في موازنة العام الجديد، وسيبدأ العمل بها اعتباراً من أول تموز المقبل بسعر صرف 8.25 جنيهات.
ووضع «المركزي» قواعد صارمة في ما يتعلق برفع سقف الإيداع الدولاري للشركات العاملة في التصدير، منها تناسب حجم الإيداع من العملة الأجنبية مع طلبات الاستيراد. لكن أصحاب الشركات رأوا في الارتفاع المفاجئ «الملتهم الرئيسي للنتائج الإيجابية» لقرار «المركزي» الذي يأتي بعد أكثر من عام على تقييد الإيداعات النقدية للشركات.
واتخذت عدة بنوك مصرية قرارات عدة بشأن توفير العملة الصعبة لعملائها، فخفضت الحد المتاح بأكثر من 33% مع تقييد حركة السحب في الخارج وتقليص الحد الأقصى بالنسبة نفسها تقريباً، بالإضافة إلى رفع عمولة البنك لتكون 3.5%، ما يعني أن البنوك صارت توفر الدولار لعملائها المصريين المسافرين بسعر أعلى من السوق السوداء، وتقيد عمليات الشراء الإلكتروني بالدولار يومياً وشهرياً بما قد يؤثر في القدرة الشرائية للمواطنين قريباً.
ولم توفر فروع عدة من البنوك أمس الدولار لعملائها بسبب النقص في العملة الأجنبية، فيما ارتفعت أسعار الذهب متأثرة بارتفاع الدولار. وتقول الحكومة إن مضاربات السوق السوداء ستتقلص خلال الأيام المقبلة وسط ترقب للإجراءات الإضافية التي سيتخذها البنك المركزي بعد نفي رسمي لتعويم الجنيه مجدداً.
وحتى الآن لم يصدر تعقيب رسمي عن الحكومة حول أزمة الدولار التي يتوقع أن تسبب موجة غلاء جديدة وسط انتقادات للموقف السلبي ومطالبات للبنك المركزي بتوفير دفعات أكبر من الدولار، علماً بأن جزءاً من الأزمة جاء بعد إعلان توقف قرض صندوق النقد الدولي، وسط توقعات مراكز أبحاث اقتصادية بوصول سعر الدولار إلى عشرة جنيهات مع نهاية العام، ما لم تتوافر استثمارات أجنبية وتعود حركة السياحة المتأثرة بحادثة الطائرة الروسية وحظر السفر من روسيا وبريطانيا وعدد آخر من الدول.