دمشق | الطريق فارغة باتجاه أحد أشهر المطاعم الشعبية في دمشق، حيث يتناول أهل الشام فطورهم التقليدي بكثير من الرضى. هُنا مطعم العم «أبو موفق» وسط العاصمة، والسؤال: هل يهتمّ الرجل بالاستماع إلى خطاب الرئيس بشار الأسد، أم أنّ العمل والزبائن سيفرضون تناسي السياسة منعاً للإحراج. وعلى الرغم من خلوّ المطعم من روّاده، بالتزامن مع خطاب الرئيس في دار الأوبرا، إلا أنّ صاحب المطعم تابع الفضائية السورية باهتمام بالغ لا يؤثر عليه دخول زبائن. طرق دمشق مغلقة إجمالاً. تقتصر الحركة على بضعة شوارع غارقة في زحام لا يُطاق بعد إغلاق كل المنافذ، وترك وسط المدينة لمصيره مع السيارات التي تكاد تتصادم ببعضها البعض. حيّ «المزة 86» اشتعل بالرصاص احتفاءً بالخطاب، ما أثار رعب البعض ممن لم يتعوّد بعد على أزيز الرصاص رغم عنف السنتين الماضيتين في البلاد. «أوتوستراد» المزة امتلأ بالمواكب السيّارة التي حملت الأعلام السورية وصور الرئيس، مطلقة الهتافات المؤيدة، فيما وقف شباب الفرق التطوعية على الطرقات ووزعوا الأعلام على السيارات المارة.
أحد مسؤولي الأحزاب الجديدة في سوريا عبّر عن شعوره بالتفاؤل كمواطن سوري بعد الخطاب، إذ إنّ للشعب إرادته في كلمة الرئيس بخصوص الاستفتاء والحكومة الانتقالية. المشكلة في الخطاب، بحسب المصدر الحزبي، أنّ الأسد أعطى رؤية جيّدة للحلّ، لكنه أغفل الحديث عن آليات لتطبيقها، في وقت تعب فيه الشعب السوري مما يجري على أرضه ويحتاج إلى حلول سريعة وليس التعويل على إيقاف بعض الدول لدعم المسلحين.
بدوره، أكد المعارض نبيل فياض، مؤسس حزب «العدل» السوري، أنّ الخطاب نقلة نوعية في تاريخ الأزمة السورية، إذ وضع خريطة طريق للخروج من الأزمة. وبتقسيم الخطاب إلى ثلاث مراحل، بحسب فياض، فإنّ المرحلة الأولى المتمثلة بوقف إطلاق النار هي الأصعب، وإن تمّ التوصّل إليها فسرعان ما ستحلّ المرحلتان اللاحقتان المتمثّلتان بالحكومة الانتقالية والانتخابات. ويتابع فياض إنّ المسلحين في سوريا بلا مرجعية واضحة، «وهذا ما لمسته شخصياً في بلدتي يبرود والنبك». وعليه، فإنّ طرق الوصول إلى حلّ المرحلة الأولى لن تكون سهلة، حيث لم يتمّ تحديد آليات واضحة في الخطاب.
وعلى الرغم من ذلك، يرى فياض، المتفائل حيال الوضع السوري، أنّ الأسد كان يقدم مبادرته للحلّ من موقع القوّة. فالجيش السوري يتقدّم على الأرض بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى ظروف موضوعية محيطة يجسّدها الموقف الأميركي، الذي أعلن «جبهة النصرة» منظمة إرهابية، والإرباك الخليجي حيال الأزمة السورية. وهذا ما يعطي الأسد قوة إضافية، بحسب فياض.
أما عضو «التيار الديموقراطي العلماني الاجتماعي»، مازن بلال، فلم يجد المشكلة التي يتحدث عنها الجميع في خطاب الرئيس، إذ اعتبر أنّ جميع المبادرات تطرح عادة الخطوط العامة، والرئيس في خطابه، حسب بلال، ترك للحكومة التعامل مع آليات تطبيق الحلول الموضوعة باعتبارها جهة تنفيذية. ويتابع الكاتب السوري إنّ المبادرة، في حال الاتفاق عليها، سيكون لوزيري الخارجية والمصالحة الوطنية مهمة التحرك لتنفيذها. وما لمسه بلال في خطاب الرئيس كان نوعاً من التحدي باتجاه ثبات الدولة السورية أكثر منه تجاه ثبات النظام.
ولـ«هيئة التنسيق للتغيير الديموقراطي» موقفها المناقض لمواقف من يسميهم الإعلام الرسمي «معارضة وطنية»، إذ اعتبر عضو هيئة التنسيق صفوان عكاش أنّ الخطاب لا يقدّم خريطة للحلّ السياسي المنشود، إنما لم يكن سوى خطاب حرب وليس خطاب سلام، وخطاب منتصر على حساب خاسر.
وأضاف عكاش إنّ الوقائع الميدانيّة لا تنبئ بوجود خاسر ورابح، بل وجب أن يكون الحلّ منطلقاً من الأفضل لمستقبل سوريا الديموقراطية الموحّدة. وبحسب عكاش، فإنّ خطاب الأسد أتى لينال من التوافق الدولي الحاصل، وبالتحديد مهمة الإبراهيمي. كما انتقد عكاش ما جاء في مبادرة الأسد من الحديث عن حكومة موسعة لا أكثر، فيما جاء ذكر حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة في بيان جنيف. وما رآه الأسد في مفهوم الانتقال انتقالاً من حالة اللااستقرار إلى حالة الاستقرار، أوضحه عكاش من خلال شرح موقف هيئة التنسيق من المفهوم على اعتباره «انتقالاً من الاستبداد إلى الديموقراطية».
«هيئة التنسيق لم تعد تنتظر حواراً يطرح في مبادرات النظام، إنما المطلوب اليوم هو التفاوض من خلال أطراف محددة وفق مواقيت محددة أيضاً وحسب مواضيع معينة»، على حدّ تعبير عضو هيئة التنسيق الذي لم يتلقف حديث الرئيس عن المعتقلين بإيجابية، بل انتقد أيضاً ذكره لبند المعتقلين كآخر خطوة في الخطاب، بينما كان من الواجب أن يكون من بنوده الأولى.
في مقهى بحيّ المزرعة، جلس شبان فلسطينيون اختلفوا في ما بينهم بعد الخطاب. أحدهم قرأ في الخطاب رسائل هامة جداً على الصعيد الفلسطيني، فالأسد وجّه ضربة قاسية لقادة حركة حماس ممن استبدلوا سوريا بفنادق الخارج الفخمة. والأسد، بحسب محمد أيضاً، أثنى على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة، واصفاً كوادرها بالمقاومين الذين لم تنحرف بوصلتهم عن فلسطين. ويقرأ في كلام الأسد رسالة قوية لمؤيديه حيال الموقف السلبي من الفلسطينيين، مذكّراً إياهم بضرورة التفريق ما بين المقاومة كمبدأ وبين الأشخاص، بالإضافة إلى دور سوريا الثابت في دعم القضية الفلسطينية. بدوره، اعتبر خالد (فلسطيني متعاون مع الجيش الحر في مخيّم اليرموك) أنّ خطاب الأسد لم يختلف عن خطاباته السابقة في تمييع الموضوعات التي يتطرق إليها، حيث لا يتوقف الرجل عن الغموض في قضايا تتطلب وضوحاً.
وبين سوريّ وآخر، تتعدّد الآراء. من المؤيدين من انتقد الشائعات السابقة أن الرئيس قد أصبح خارج البلاد، فتداولت صفحاتهم صوراً تحمل عبارات: «من دار الأوبرا في طهران». ومن المعارضين من استمرّ بمحاولات السخرية من كلمات الرئيس وألفاظه واستخدامه مفردات كالإمّعات مثلاً في وصفه لمن يخالفه الرأي. وهكذا بقي للرصاص صوته الأقوى بوصفه أداة للتعبير عن الموقف السياسي، ووسيلة التعبير الوحيدة عن الفرح بخطاب رئيس الجمهورية، لدى بعض السوريين.