بغداد | كان من المُفترض أن تكون جلسة البرلمان العراقي الاستثنائية، أمس، قد بدأت بمقاطعة نواب ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي. لكن الجلسة، التي انطلقت بنصابها المكتمل للتصويت على تشكيل لجنة تحقيق في تصريحات «طائفية» للنائب عن القائمة العراقية أحمد العلواني، تحولت الى حلبة صراع لدى دخول أعضاء من ائتلاف رئيس الوزراء، أبرزهم النائبان علي الشلاه وحنان الفتلاوي، الى قاعة المجلس وشروعهم باتهام النواب المصوتين على قرار يقضي باستجواب المالكي بـ«البعثيين». وشهدت قاعة المجلس مشادات كلامية وصلت الى حد التدافع بين النواب، الا انها لم تصل الى الضرب، وذلك حسبما أفاد أحد النواب «المتدافعين» لـ«الأخبار». الأمر الذي دفع رئيس المجلس أسامة النجيفي الى تعليق الجلسة على ان تعاود عملها اليوم.
وبغض النظر عن سبب المشادة الكلامية و«التدافع» داخل البرلمان، الا انه يعكس صورة الأزمة المُتناسلة التي تشهدها البلاد خلال هذه الفترة. فبعدما كان الحديث يدور حول حل مجلس النواب والذهاب الى انتخابات نيابية مبكرة (الخيار الذي نادى به ائتلاف دولة القانون أخيراً)، بادرت الأطراف المعارضة لائتلاف المالكي بإحياء «خيار قديم» يتمثل بسحب الثقة من حكومة المالكي عبر استجوابه في مجلس النواب. مبادرة أعلن عنها بالفعل رئيس مجلس النواب، في بيان قال فيه إنه قد تسلّم طلباً من عدد من النواب لاستجواب رئيس مجلس الوزراء في البرلمان.
وأكد البيان أن الطلب المُقدَّم قد استوفى «شروطه القانونية وفق المادة 61 سابعاً (ج) من الدستور»، مشدداً على أنه «لا يجوز أن يتضمن الاستجواب أموراً مخالفة للدستور أو القانون أو عبارات غير لائقة، أو أن يكون متعلقاً بأمور لا تدخل في اختصاص الحكومة أو أن تكون في تقديمه مصلحة خاصة أو شخصية للمستجوِب. كما لا يجوز تقديم طلب استجواب في موضوع سبق للمجلس أن فصل فيه ما لم تطرأ وقائع جديدة تسوغ ذلك».
وتنص المادة 61 من الدستور على أن «لعضو مجلس النواب وبموافقة خمسة وعشرين عضواً، توجيه استجواب إلى رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء لمحاسبتهم في الشؤون التي تدخل في اختصاصهم ولا تتم المناقشة في الاستجواب إلا بعد سبعة أيام في الأقل من تقديمه».
في المقابل، من هذا الحراك المضاد لخيار المالكي القاضي بحل مجلس النواب، فإن المتابعين للشأن السياسي العراقي يستبعدون تلبية رئيس مجلس الوزراء طلب استجوابه، لا بل انه من المستبعد أيضاً أن يكون له تأثير يُذكر على رئيس الوزراء، ولا سيما انه استطاع ان يُعطّل نفس المساعي في وقت سابق.
في غضون ذلك، بدا المالكي متماسكاً يوم أمس خلال مؤتمر صحافي عقده مع رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراقي عمار الحكيم، حيث جدد دعوة «طاولة الحوار» بين الكتل السياسية. وذكر المالكي، خلال المؤتمر، أن «الحلول الجذرية للأزمة تحتاج الى جهد، وهي لا تكون الا بالقبول بالرضا والاحتكام بالدستور، فاننا ان جلسنا الى طاولة الحوار فهو الحل وليس لدينا مشكلة في ذلك، ولكن تحت سقف الدستور وليس الانتقائية منه».
وأضاف رئيس الوزراء ان «التظاهر حق كفله الدستور وعلى الحكومة ان تستمع لمطالب المتظاهرين، لكن يجب ان تكون ضمن معيار القانون، وغير مخالفة للدستور، مثل حل هيئة المساءلة والعدالة او الغاء قانون مكافحة الارهاب».
وأشار المالكي الى ان «قضية التظاهرات ليست شيئاً مخيفاً، والحكومة تحتاج الى ان تستمتع الى هموم المواطنين ومشاكلهم، وهو حق مشروع لهم، ولكن ضمن اطار القانون، ولا ينبغي لهذ الحق أن يُساء اليه بطرح اجندات خارجية او يتحول الى عصيان وتعطيل لدوائر الدولة».
هذا الحراك السياسي، لا ينفصل عن التظاهرات التي يشهدها عدد من المحافظات ذات الغالبية السنية.
الا ان هذا الحراك كان قد طرأ عليه تحول جديد، أمس، حينما دعا نائب رئيس مجلس الوزراء صالح المطلك (المنتمي للقائمة العراقية)، البعثة الأممية في العراق إلى أخذ دورها والتدخل وفق الأعراف واللوائح الدولية في أزمة المحتجين وتداعيات التظاهرات التي يشهدها عدد من المحافظات.
وأكد ممثل الامين العام للأمم المتحدة مارتن كوبلر، أن موظفي البعثة يجرون اتصالات واجتماعات مع الأطراف السياسية المختلفة لإيجاد الحلول، حسبما ذكر بيان أصدره المكتب الإعلامي للمطلك.
في هذه الأثناء، هدد حزب الله العراق ــ النهضة الإسلامية، بـ «إبادة» البعثيين إذا أُلغي قانون اجتثاث البعث، (أحد أبرز المطالب التي يرفعها المتظاهرون في محافظات الأنبار والموصل وصلاح الدين). وقال الأمين العام للحزب هاشم البطاط، خلال مؤتمر صحافي عقده في بغداد، إن «المطالبة بإلغاء قانون اجتثاث البعث الذي تم الاتفاق عليه في السابق، تمثل انقلاباً على القانون»، مهدداً بـ«إبادة البعثيين بشكل تام في حال الغي هذا القانون». ودعا البطاط «الشعب العراقي من شماله إلى جنوبه إلى أن يخرج للتظاهر للمطالبة بتثبيت المادة 4 إرهاب لإلقاء القبض على المجرمين ومعاقبتهم وتفعيل الإعدامات خاصة للقتلة».
وفي ظل هذه الأجواء، ذكرت وكالة الانباء الاردنية الرسمية (بترا) ان العراق ابلغ الاردن انه سيغلق الحدود بين البلدين اعتبارا من فجر اليوم «لاسباب خاصة» بالعراقيين، وهو ما أثار تكهنات حول احتمال أن يكون المالكي قد قرر المضي بتهديده بعمل بالقيام بعمل عسكري ضد المحتجين في الغرب العراقي.
ومنفذ طريبيل الذي يبعد عن عمان حوالى 370 كلم وعن بغداد حوالى 570 كلم هو المنفذ الوحيد بين البلدين، ويشهد على الدوام حركة نقل للمسافرين والبضائع بالاضافة الى نقل النفط الخام العراقي الى الاردن من خلال الصهاريج.