الجزائر | انتهت زيارة أمير قطر، حمد بن خليفة آل ثاني، إلى الجزائر، باتفاق على شراكة مفتوحة تشمل تعزيز التعاون الاقتصادي والتشاور السياسي والتنسيق الأمني. وتمّ توقيع ثماني اتفاقيات ومذكرات تعاون اقتصادية في النفط، والغاز، والصناعة البتروكيماوية، والنقل البحري والتجاري، بين وزراء القطاعات المذكورة في البلدين، بحضور الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ورئيسي حكومتي البلدين. وحظيت الزيارة باهتمام رسمي بالغ وبتغطية اعلامية لافتة، خصوصاً من وسائل الاعلام الحكومية، أجمعت على «تطابق وجهات النظر بخصوص القضايا السياسية الاقليمية والدولية». وجاءت التقارير الصحافية ترجمة لمحتويات الاجتماعات بين بوتفليقة وحمد، وبين الوزراء الجزائريين ونظرائهم من الوفد القطري. كما أقام بوتفليقة مأدبة غداء، أول من أمس، على شرف ضيفه، حضرها كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين وكل الوفد القطري وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد في الجزائر. وأعرب أمير قطر، في بيان، «عن بالغ سعادتي للقاء أخي الكريم فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وأن أنقل إليه وإلى الشعب الجزائري الشقيق أطيب تحيات الشعب القطري، وخالص تمنياته لهم ولبلدهم بالمزيد من الرفعة والتقدم والازدهار»، وفيما يخصّ الأهداف المرجوة من الزيارة، قال «إنّ زيارتي هذه تأتي تعبيراً عن حرصنا الدائم على التشاور وتبادل الرأي بين قيادتي بلدينا الشقيقين حول تطورات الأوضاع على الساحتين العربية والدولية، بالإضافة إلى بحث سبل دعم وتعزيز العلاقات الأخوية الوطيدة بين بلدينا في مختلف المجالات». وجسّد اهتمام الجانبين بالزيارة ونتائجها، التقارب المسجّل بين الدولتين، خصوصاً في العامين الأخيرين، حيث سجّل سيل من الزيارات القطرية رفيعة المستوى للجزائر، التي انتهت جميعها بالاعلان عن نيتهما تطوير آليات التواصل الدائم والتعاون المتبادل. وعرضت الدوحة مليارات الدولارات كاستثمارات مباشرة في قطاعات المحروقات والسياحة والصناعة، ووافق الطرف الجزائري على العديد من العروض، على غير عادته، حيث رُدّت أو عطّلت عروض عربية مماثلة من الإمارات والسعودية ولبنان. حتى أنّ شركة «اعمار» الاماراتية، الذائعة الصيت، بقيت ثلاث سنوات في الجزائر بانتظار الحصول على الإشارة الخضراء للمباشرة بمشاريع وافق عليها الرئيس بوتفليقة شخصياً، لكنها اضطرت للرحيل بعدما يئست من الانتظار. مشاريع قطر، هذه المرة، ترافق كلّ الحكومة الجزائرية خطوات تنفيذها.
وقد انتقد كثيرون هذا الاستثناء والامتياز، ونقلت بعض مقالات الصحف أنّ العلاقات السياسية بين الجزائر وقطر تقودها المصالح الاقتصادية المشتركة، ربما لأنّ البلدين عضوان بارزان في منتدى باعة الغاز، وأيضاً، بالنظر لأهداف قطر المباشرة في بلد كبير قادر على استيعاب أكثر مما يستوعبه بلد آخر بالمنطقة من الاستثمارات في مختلف المجالات. وهذا العامل أبطل ما ذهبت اليه أوساط سياسية واعلامية توقّعت نشوب خلاف وتوتّر بين الجانبين بسبب تناقض موقفيهما بخصوص تغيير الأنظمة في البلدان العربية، في ما اصطلح على تمسيته «الربيع العربي». إذ كانت قطر رأس الحربة فيها، فيما وصف موقف الجزائر دوماً بالرافض، وسجّلت تحفظات كثيرة على قرارات صدرت عن اجتماعات جامعة الدول العربية بادرت إليها قطر ودول الخليج، لاسيّما في ما تعلّق بالأحداث في ليبيا وسوريا.
وكانت قطر قد بادرت إلى تسوية الخلاف بين الجزائر والمجلس الانتقالي الليبي بترتيب زيارة رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي السابق، مصطفى عبد الجليل، إلى الجزائر، ومباشرة الحوار بين الطرفين أدى إلى تنسيق أمني بينهما حول أمن الحدود، والتعاون في مجال مكافحة الارهاب. وبسبب الترحاب الحار على المستوى الرسمي بالأمير حمد، انتقد بعض الصحافيين في الصحافة المستقلة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي هذا الاستثناء والتمييز.
وينظر صحافيون، وسياسيون، ومدونون جزائريون بريبة كبيرة لاهتمام العائلة الحاكمة في الدوحة ببلدهم، واعتبروا التعاطي مقتصراً على آل ثاني وحاشية بوتفليقة. كما لم يرحب كثيرون بالزيارة، ورأوها نموذجاً للنفاق السياسي بين الجانبين. فالنظام الجزائري يرمي ــ في نظرهم ــ إلى شراء موقف محايد لتجنب «تحرش» سياسي وتحريض على العصيان من قناة «الجزيرة» وحكومة قطر، فيما وجد الطرف القطري في الحاجة الجزائرية فرصة مناسبة لتعزيز مكانته وتطوير نفوذه.