الجزائر | لم تعلن الجزائر رسمياً حتى الآن أنها تشارك في الحرب الدائرة رحاها منذ الجمعة الماضي في مالي بين القوات الحكومية المدعومة من فرنسا من جهة والجماعات المتشددة التي احتلت شمال البلاد قبل نحو عام وأعلنته إمارة اسلامية. لكن كل المؤشرات تدل على أنها حاضرة بشكل من الاشكال. ولم يصدق الجزائريون عموماً أن بلادهم، التي ظلت لشهور تردد خطاب الحل السلمي، ستتورط في حرب لا أحد يعلم متى وكيف ستنتهي، إلا حين أعلن وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس، أول من أمس، أن «السلطات الجزائرية سمحت وبلا شروط بعبور الطائرات الفرنسية للقتال في مالي». وتلت التصريح أخبار أخرى تفيد بأن تنسيقاً أمنياً وعسكرياً عالي المستوى جارٍ بين البلدين، فيما أشعلت بعض الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي نار القلق والريبة، حين أعلنت عن احتمال استدعاء وزارة الدفاع الجنود الاحتياطيين لتأمين الحدود الجنوبية مع مالي والنيجر الممتدة على أكثر من ألفي كيلومتر. وتوالت الأخبار السيئة لدى اعلان ادريان ادواردس، الناطق باسم الهيئة العليا للاجئين لدى الامم المتحدة، أمس أن 30 ألف شخص من مالي تركوا ديارهم منذ بداية التدخل الفرنسي. وفيما وصل لغاية أول من أمس نحو 1230 لاجئاً إلى النيجر، قدّر عدد اللاجئين إلى البلدان المجاورة منذ بداية الأزمة قبل نحو عام بما يزيد على 450 ألف لاجئ. وستكون الجزائر من أهم ساحات استقبال الهاربين من جحيم الحرب، ما يزيد الاعباء الاقتصادية والأمنية.
وتوقعت منظمات دولية وهيئات في الدول المجاورة أن الوضع سيكون كارثياً مع تقدم المواجهات وشدتها، فالمنطقة صحراوية عموماً وتشح فيها الامكانات. كما تنخفض فيها درجات الحرارة ليلاً إلى الصفر في بعض المواقع، في حين سيقتصر ايصال المساعدات على الخطوط الجوية بسبب انتشار الجماعات المسلحة وعصابات التهريب الخطيرة في مختلف أركان الصحراء الافريقية الكبرى.
خلال الأيام الأربعة الماضية، خلقت أخبار حرب مالي اضطراباً في النفوس ومخاوف غير مسبوقة. فالجزائر لم تدخل من قبل في حروب استدعت حتى الحديث عن التعبئة العامة منذ تشرين الاول 1973، حين وضعت قدراتها في خدمة الجبهة العربية ضد إسرائيل. وحتى حين توتر الوضع مع المغرب عام 1975، لم تعلن التعبئة ولم يستدع الاحتياطيون. ويتابع الجزائريون أخبار الحرب في مالي ربما أكثر مما تابعوا أخبار التوترات في بلدان ما يسمى الربيع العربي، لسبب بسيط هو أنهم شعروا بالخطر هذه المرة أكثر من أي وقت آخر بالنظر لخصوصيات هذا البلد وعلاقته بقسم من سكان البلاد. فمالي هي امتداد للجزائر وأرض الحرب هي أرض الطوارق، وهم قوم ممتدون في الاقامة بين مالي والنيجر والجزائر وليبيا، ما يعني أن قبائل الطوارق كلها معنية بالحرب إن ضدها أو معها. كما أن دخول الجزائر طرفاً في الحرب يعني أنها تقاتل مجموعة سكانية جزائرية عريقة تعمر الصحراء الكبرى منذ آلاف السنين. وهذا العامل كان السبب الرئيس في وقوف الجزائر طيلة الفترة السابقة معارضة للحل العسكري قبل أن يغير المسؤولون الجزائريون موقفهم. فلقد كانت الضغوط الفرنسية والأفريقية والدولية أقوى بكثير مما يمكن أن تتحمله الجزائر للبقاء على موقفها السابق الذي يرجعه المختصون في الشأن السياسي الجزائري إلى عقيدة ظل الجهاز الأمني والدبلوماسي أسيراً لها منذ خمسين عاماً متمثلة بـ«عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير»، حتى إن كان التدخل يعني الدفاع عن المصالح الحيوية للبلاد.
وينقسم الشارع الجزائري عموماً الى ثلاثة آراء إزاء ما يجري في مالي حالياً. أصحاب الرأي الأول يدينون أي مشاركة في الحرب بل يدينون التدخل الفرنسي كونه يقع على بلد جار. ويقود الإسلاميون هذا الرأي بقوة عبر الصحافة ومختلف وسائل الاتصال، متهمين السلطات الجزائرية بالتحالف مع فرنسا ضد المسلمين على حد قولهم. وهذا الاتجاه ينشر خطاباً غامضاً ومضللاً في كثير من الأحيان يعتبر أن الحرب ضد الشعب المالي المسلم وليس ضد الجماعات الارهابية التي تسيطر على الشمال. أما الاتجاه الثاني، فيرى أن الحرب مشروعة، وأن فرنسا تساعد الحكومة المركزية على استرجاع وحدة البلاد، بعدما صار من غير الممكن التعامل بالطرق السلمية مع الواقع الذي فرضته هذه الجماعات، ولاسيما الأجنبية المتمثلة بـ «القاعدة» و«حركة الجهاد في غرب أفريقيا» و«بوكوحرام»، التي نشأت في نيجيريا وتوسعت مؤخراً إلى مالي. ويرى هؤلاء أيضاً أن مشاركة الجزائر في محاربة هذه الجماعات يجعلها منسجمة مع نفسها كونها تحارب جماعات مماثلة منذ عشرين عاماً داخل البلاد. اما الاتجاه الثالث، فيأسف لدخول الحرب في ذيل فرنسا على اعتبار أن الجزائر أتيحت لها فرصة لقيادة منطقة الساحل كله حين كانت على رأس «القيادة المشتركة لجيوش الساحل»، التي تأسست العام 2009 لضمان أمن هذه المنطقة وعدم سيطرة تنظيم القاعدة عليه. وبحسب هذا الرأي فإن الوضع في مالي ما كان ليصل إلى الحرب الدائرة الآن لو تدخلت الجزائر بناءً على طلب قدمه رئيس مالي السابق امادو توري، حين شعر بانقلاب يدبر له من الخارج بالموازاة مع تدفق الأسلحة من ليبيا الى شمال بلاده قبل أن تخيب الجزائر أمله.
يبقى أن أكبر أخطار مشاركة الجزائر أمران، أولهما تورط الجزائر في ما يشبه حرب داخلية مع مجموعة سكانية محددة، ما يعرض وحدة البلد لخطر النزعات العرقية. والأمر الثاني هو احتمال قيام «الخلايا النائمة» في الشمال بعمليات انتحارية في العاصمة ومدن البلاد الأخرى. أما عدم مشاركة الجزائر، فيجعلها غير منسجمة مع نفسها ومع نهج محاربة الارهاب الذي اتبعته.