الجزائر | لم تتأخر تداعيات الانخراط الجزائري في الحرب في مالي في الظهور، بعدما استيقظ الجزائريون أمس على أخبار عن شنّ مسلحين إسلاميين، هجوماً على منشأة للغاز في منطقة تيغنتورين (على بعد 40 كلم من عين أميناس)، تستثمرها شركة النفط الجزائرية العمومية «سوناطراك» مع شركتي بريتش بتروليوم البريطانية وشتات أويل النروجية، وهو ما أدى إلى مقتل شخصين (جزائري وبريطاني) وجرح 3 أجانب، فضلاً عن احتجاز عشرات الرهائن الجزائريين، وما لا يقل عن 41 أجنبياً، وسط ترقب لكيفية تعامل السلطات الجزائرية مع الموقف في ظل فرضها حصاراً على المسلحين الذين يسيطرون على الموقع بإشراف مباشر من الجزائري مختار بلمختار، وهو أقوى «أمراء الإرهاب» في الصحراء الكبرى. ناطق باسم كتيبة «الموقعون بالدم» الإسلامية، التي يقودها بلمختار وانشقت قبل مدة عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، تبنى العملية، مؤكداً لوكالة «صحراء ميديا» الموريتانية أن «41 غربياً بينهم 7 أميركيين، وفرنسيون وبريطانيون ويابانيون» محتجزون. وأوضح أن 5 رهائن احتجزوا في المصنع حيث مقر الشركة، فيما احتجز 36 «في المجمع السكني»، مشيراً إلى أن العملية تأتي «انتقاماً من الجزائر التي فتحت أجواءها أمام الطيران الفرنسي». ورأى أن موقف الجزائر «خيانة لدم الشهداء الجزائريين الذين سقطوا برصاص المستعمر الفرنسي»، فيما أعلن موظف في منشأة طاقة شرق الجزائر لوكالة «فرانس برس» أن الخاطفين يطالبون بالإفراج عن مئة إسلامي معتقلين في الجزائر، وأن يُقتاد هؤلاء الإسلاميون إلى شمال مالي.
وفيما يسود ترقب لكيفية تطور الموقف في الساعات المقبلة، سارع رئيس الوزراء النرويجي، ينس شتولتنبرج، للتأكيد أن 13 موظفاً نرويجياً من شركة «شتات أويل» النرويجية محتجزون، فيما أعلن وزير الخارجية اسبين بارث أنه «طلبنا من السلطات الجزائرية أن تضع حياة الرهائن وصحتهم فوق كل شيء».
بدورها، أكدت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند، وجود رهائن أميركيين، مفضلةً عدم الخوض في التفاصيل، بينما أجرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون اتصالاً هاتفياً مع رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال. وأعلن البيت الأبيض مراقبته الوضع عن كثب. وفي ما يتعلق بوجود رهائن فرنسيين، قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، في كلمة أمام الجمعية الوطنية: «احتجز عدد من الأشخاص رهائن لا نعرف تفاصيل محددة بشأنهم ولا حتى عن المواطنين الفرنسيين الذين قد يكونون ضمنهم». أما رئيس مجلس إدارة شركة «سي آي أس كاترينغ» المتخصصة في مجال الفنادق ريجي أرنو، فأوضح أن 150 موظفاً جزائرياً يعملون لحساب الشركة محتجزون في الموقع. وأشار إلى أنهم «أُبقوا بحالة سراح داخل القاعدة بخلاف الرهائن الأجانب العالقين في ركن ولا يمكنهم التحرك». وأضاف: «لكن (الموظفين الجزائريين) ليس لهم الحق في مغادرة القاعدة».
وفيما بدا واضحاً أن الهدف الأول للمسلحين هو الرهائن الأجانب، نقلت وكالة أنباء الجزائر الرسمية عن وزير الداخلية الجزائري دحو ولد قابلية، قوله إن السلطات لن تستجيب لمطالب «الإرهابيين» ولن تتفاوض معهم. وأكد أن الخاطفين «محاصرون» من قبل الجيش وقوات الأمن الجزائري في الموقع.
وقبيل تبني الكتيبة للعملية تضاربت الأنباء حول حجم المسلحين الذين هاجموا الموقع. وأفادت مصادر استناداً إلى اتصالات هاتفية بالمحتجزين بأن المهاجمين دخلوا القاعدة من كل جانب على متن نحو 50 سيارة، وأن عددهم الكبير سمح لهم باحتلال الموقع، وتوقيف كل من يشتغل في المحطة ومن كان في الحيّ السكني الملحق بها، فيما أوضح بيان لوزارة الداخلية الجزائرية أن الهجوم «استهدف حافلة نقل موظفين أجانب كانت متوجهة إلى المطار قبل أن يمتد إلى محطة معالجة الغاز» حيث قدم المهاجمون على متن ثلاث سيارات رباعية الدفع محملة بالسلاح والمسلحين.
في غضون ذلك، أعرب متابعون للملف أن المجموعة ستضغط بالرهائن لوقف الحرب الفرنسية في مالي وإعلان الجزائر تراجعها عن السماح للطيران الفرنسي بالتحليق في أجوائها لأول مرة منذ استقلال البلاد قبل 50 عاماً. وفيما نقل موقع إلكتروني عن أحد المحتجزين، وهو جزائري، قوله إن الخاطفين يسيطرون على الموقف ورفعوا العلم الأسود للتنظيم فوق المبنى، أوضح أن بلمختار وعد بالإفراج عن كل الجزائريين وأنهم لم يكونوا هدف العملية، ما يعطي الانطباع بأن الأمر يتعلق بإيجاد موقف تفاوضي قوي قبل مواعيد مهمة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول غرب أفريقيا، فضلاً عن أن تطورات العملية ستكون عاملاً رئيسياً في تحديد هوية القائد الميداني الفعلي لفصائل المسلحين الإسلاميين، وهو بحسب النتائج المسجلة في الميدان لن يكون سوى بلمختار.