باتت الإسكندرية هي المحافظة الأولى في مصر بلا منازع في كوارث انهيارات العقارات، وسكانها هم الأكثر تعرضاً للموت بسبب الفساد والإهمال في القطاع السكاني على مستوى الدولة بأكملها. فلم تمض 6 أشهر على فاجعة عقار الجمرك المنهار في تموز الماضي، الذي خلّف 19 قتيلاً و47 جريحاً، حتى استيقظ أهالي عروس المتوسط في السابعة صباحاً أمس على سقوط عقار في منطقة المعمورة البلد، مكون من 8 طبقات ليخلف 22 قتيلاً و11 جريحاً، وفقاً لما أكده وكيل وزارة الصحة في الإسكندرية، محمد الشرقاوي.
الفاجعة أتت قبل أن تجفّ دماء كارثة قطار البدرشين، وبعد عدد من الانهيارات الطفيفة والبسيطة تخللت فترة الستة أشهر بعد كارثة الجمرك، لتؤكد أن الثمن، الذي سيدفعه سكان المحافظة في انهيار العقارات المخالفة وسيدفعه سكان مصر في حوادث القطارات ونتيجة انهيار البنية التحتية، سيكون غالياً جداً، وهو أرواح أبنائهم وذويهم، وهو ما أكدته حادثة أخرى وقعت مساء أمس في الجيزة حيث لقيت أسرة حتفها بعد أن ضرب قطار سيارة الأجرة التي تستقلها على مزلقان منطقة أرض اللواء الشعبية.
الكوارث المتتالية جاءت كضربات المطرقة المتلاحقة فوق رأس الرئيس محمد مرسي ورئيس حكومته هشام قنديل، التي لم تشفع لهما التغييرات الوزارية الأخيرة لدى الفقراء والبسطاء. فالفساد وإهمال سنوات عصر مبارك والبطء في اتخاذ قرارات عاجلة للإصلاح الجذري باتت بمثابة الشبح الذي يطاردهم في كل حين، ولا سيما أن مدينة كالإسكندرية فيها ما يقارب من 10 آلاف عقار مهدد بالانهيار، وفقاً لأرقام صادرة عن الإدارات الهندسية المختلفة في المحافظة ومديرية الإسكان.
وكشفت الكوارث المتتالية أن الفساد والإهمال في مصر باتا متأصلين في نفوس الكثيرين، إما لضغط الحاجة والفقر وإما لعدم وجود آلية حساب تشعر الفقير والمواطن البسيط بأن صبره سيأتي بنتيجة مع أصحاب النفوذ وأصحاب السلطة، فضلاً عن أن انهيار البنية التحتية يوازيه انهيار في البنية التشريعية ومدى قدرة نفوذ أصحاب المصالح أمام القانون.
جملة هذه الأمور، جعلت من الكوارث المتتالية والمتعاقبة أمراً ظاهراً للعيان ويلاحق المواطن في كل حين. وهو ما يجعل المهمة تهدئة الشارع قبل 25 يناير مهمة شاقة أمام جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة ومناصريهم، ولا سيما في ظل الدعوات المتتالية إلى التظاهر بقوة في هذا اليوم. كذلك، لم يتخذ مرسي أي إجراء حتى الآن بشأن رئيس الوزراء الذي أصبحت إقالته مطلباً سياسياً عاماً لجميع الأحزاب والقوى السياسية.
وجاءت تصريحات قيادات حزب الحرية والعدالة وكوادره لتصبّ في اتجاه فكرة أن تكرار تلك الحوادث هو نتاج عصر مبارك، الذي امتدّ الفساد فيه 30 سنة، وانهارت فيها البنية التحتية وتعمق الفساد فيهم، الأمر الذي يستحيل معه اجتثاثه في غضون أشهر قليلة، داعين القوى السياسية لتجاوز خلافتها والبدء في التعاون لبناء مصر.
إلا أن محمد عبد السلام، مؤسس حركة العدالة والحرية، كان له وجهة نظر أخرى. وقال لـ«الأخبار»: «قد اتفهم الحديث عن مسؤولية فساد النظام السابق في وجود تردي في البنية التحتية، ولكني لا أفهم أن نحمّل النظام السابق مسؤولية عدم قيام حكومة الرئيس مرسي بتنفيذ خطط وبرامج واضحة وتحقيق الوعود التي أطلقها في مرحلة الانتخابات مثل حل مشكلات المرور والنظافة». ورأى أن «تكرار هذه الحوادث والاستهانة بأرواح المصريين هو نتاج لاستمرار نظام الحكم القمعي الشمولي للرئيس مبارك، ويؤكد أن مصر دولة فاشلة، ولكن بوجوه جديدة من جماعة الإخوان المسلمين التي لا تكترث ولا تهتم إلا بإحكام السيطرة على مؤسسات الدولة والتضييق على الحريات».
وأشار إلى أن «نظام مرسي لم يتحرك خطوة واحدة لتلبية أي مطلب جماهيري أو شعبي، فكل تحركات النظام ومناوراته سياسية بحتة لضمان الاستمرار في الحكم واقتصادية لبناء مصالح جديدة والحفاظ على علاقات قديمة مع الدول الغربية وأبرزها قرض صندوق النقد الدولي»، وهي أمور لا تخدم الفقراء في شيء، ولا تمنع الإهمال وتردي الخدمات، ما يؤكد أن كل هذه السياسات نتاج نفس العقلية التي حكمت النظام السابق، وهي أن حكم مصر يستتب ويستقر برضى واشنطن وتل أبيب.
وعن علاقة تلك الكوارث بمنح زخم للتظاهرات في 25 كانون الثاني المقبل، رأى عبد السلام أن «المصريين لا يحتاجون إلى الحوادث التي تحصل على اهتمام إعلامي كبير، فداخل كل بيت مصري مشكلات حياتية يومية، سواء في ما يتعلق بالأجور وأسعار السلع والسكن والملابس، أو في ما يتعلق بالخدمات الصحية والتعليمية والبوتاغاز والمواصلات».
وأبدى دهشته «ممن يتهم المعارضة باستغلال حادثة البدرشين أو غيرها في الحشد ليوم 25 يناير وكأن المواطن المصري في حاجة إلى من يخبره بالمأساة التي يعيش فيها».
ولفت عبد السلام إلى أن «الثورة المصرية بمعناها النضالي وبحركة جماهيرها في الميادين ستتجه أكثر وستعمق دفاعها عن العدالة الاجتماعية وعن المصالح المباشرة لملايين الفقراء والمهمشين التي تهددها سياسات مرسي الاقتصادية».
أما الناشط الحقوقي هيثم أبو خليل، فرأى أن «تحميل مرسي والإخوان كل مصيبة تقع في البلد أمر أصبح ممجوجاً ويثير الفوضى والغبار، وجعل الفلول، كرئيس الوزراء السابق أحمد شفيق، يتطاولون ويتكلمون». وأضاف: «هناك تركة سيئة لعقود ورثها مرسي ورفاقه»، لافتاً إلى أن «العدالة تقتضي أن نصبر قليلاً على تداعيات عهد مبارك، فمرسي لا يزال يحتاج إلى أن يأخذ فرصته كاملة رغم اختلافي معه في بعض التطبيقات والقرارات». ورأى أنه «يكفي أن مرسي نجح في وقف الاحتكار وتهريب أموالنا خارج البلاد»، مشدداً على أن «المعادلة يجب أن تكون: فرصة كاملة لمرسي = حساب كامل لمرسي».