مأزق جديد، ربما تكون قيادات جبهة الإنقاذ الوطني، التي ينظر لها على نطاق واسع كأبرز كيانات المعارضة، قد ورّطت نفسها فيه، في ظل احتجاجات واسعة من شباب في الجبهة على نمط تشكيلها. وما قد يزيد من غضب الشباب لقاء جمع أمس بين محمد حسان ومحمد حسين يعقوب، وهما داعيتان إسلاميان سلفيان، وبين قياديي الجبهة حمدين صباحي المرشح الرئاسي السابق وزعيم التيار الشعبي، عمرو موسى المرشح الرئاسي السابق، والسيد البدوي رئيس حزب الوفد ومحمد سامي رئيس حزب الكرامة، بينما تغيب محمد البرادعي رئيس حزب الدستور عن اللقاء.
اللقاء أثار استغراب كثيرين، ولا سيما أن حسان ويعقوب ينتميان إلى التيار السلفي، حليف جماعة الإخوان المسلمين التي ينحدر منها الرئيس محمد مرسي، الذي تأسست جبهة الإنقاذ أصلاً في مواجهة سياساته التي ينظر إليها كبوادر لترسيخ نظام استبدادي جديد.
اللقاء دعا إليه حسان للتباحث مع قيادات الجبهة حول مطالبهم التي دعوا بسببها إلى التظاهر في الذكرى الثانية لثورة «25 يناير». هذه المفارقة قد تزيد من غضب شباب عدد من القوى السياسية المؤيدة للثورة، المحتجين على استمرار وجود قوى «محافظة»، من وجهة نظرهم، ضمن تشكيل الجبهة. وهي احتجاجات بدأت تظهر إلى العلن ويصعب إنكارها، كما يقول لـ«الأخبار» محمد عبد العزيز، عضو التيار الشعبي وممثله في التنسيق مع قوى سياسية أخرى رفضت الانضمام إلى الجبهة للأسباب نفسها. وأوضح عبد العزيز أن هذا الرفض «تبلور في إعلان حزب التحالف الشعبي الاشتراكي أنه لن يخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة ضمن قائمة جبهة الإنقاذ، وهو قرار صدر بناءً على ضغوط شباب الحزب في هذا الصدد».
أما القوى المحافظة التي تثير ريبة الشباب، فتتمثل تحديداً بحزب الوفد الليبرالي، الذي يعدّ أقدم الأحزاب المصرية، وحزب المؤتمر المصري الذي أسسه عمرو موسى الذي شغل منصب وزير الخارجية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، فضلاً عن حزب التجمع اليساري الذي اتخذ مواقف مهادنة جداً من نظام مبارك، حسبما يرى هؤلاء الشباب. واللافت أن موسى يحتج، من جهته، على أي محاولة للتقارب بين الجبهة وعبد المنعم أبو الفتوح المرشح الرئاسي السابق ومؤسس حزب مصر القوية. السبب المعلن يستند إلى الخلفية الإسلامية للقيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين، لكن رفض موسى قد لا يكون منفصلاً عن اشتداد حدة المنافسة الانتخابية إبان السباق الرئاسي بينه وبين أبو الفتوح والتي وصلت إلى درجة التلاسن الشخصي.
لكن منطق تصنيف الصراع السياسي إلى صراع بين إسلاميين وعلمانيين يبدو غير مرضٍ للشباب المحتجين، الذين يرون الأمر صراعاً بين قوى مؤيدة للثورة وأخرى معادية لها. وهو نفس المنطق الذي يجعل عبد العزيز يرى أن حزب مصر القوية أقرب للثورة من قوى علمانية أخرى. مصدر مطّلع في الجبهة، طلب عدم ذكر اسمه، أكد لـ«الأخبار» أن صباحي والبرادعي انحازا للإبقاء على الوفد والمؤتمر المصري والتجمع ضمن الجبهة لاعتقادهما بأن استمرار عضويتهم في الجبهة يمثل رسالة طمأنة لقطاعات «محافظة» نسبياً في المجتمع المصري معارضة لحكم مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، لكنها لا تطمئن إلى معارضة جذرية.
ووفقاً للمصدر نفسه، يعتقد صباحي والبرادعي أن الإبقاء على تشكيلة الجبهة واسعة بقدر الإمكان يسمح لها بالبقاء راية وطنية في مواجهة حكم الإسلاميين، بالرغم من إدراكهما احتمال انحياز بعض الأحزاب في الجبهة لعقد صفقات في اللحظة الأخيرة قبل الاستحقاق الانتخابي.
لكن وفقاً للمصدر، فإن ذلك لن يغيّر شيئاً في طبيعة الجبهة وانحيازها للثورة، بل سيؤدي إلى لفظ أيّ ممن ينحاز إلى سياسات أخرى، ولا سيما أن الأحزاب والقوى المؤيدة للثورة بصورة عامة لا تزال تحتفظ بالصوت الأعلى والكلمة الأخيرة في جبهة الإنقاذ الوطني، التي ترى نفسها «جناح سياسي للثورة».
من جهته، اكتفى حسين عبد الغني، وهو عضو مجلس أمناء التيار الشعبي والمتحدث الرسمي باسم جبهة الإنقاذ، بالقول إن «الجبهة تحترم آراء شبابها وتحترم مزاجهم الثوري الذي أسفر عن ثورة يناير المجيدة، ولا يمكنها وقد نشأت معظم الكيانات داخلها من رحم الثورة أن تحاول عزلهم عن شباب القوى الأخرى التي رفضت الانضمام للجبهة». وأكد أن الجبهة «تحترم من جهة أخرى التزام الشباب الكامل حتى الآن بالأطر الديموقراطية لإدارة الاختلاف».