الجزائر | ارتبكت المواقف الرسمية والإعلامية في عواصم العالم انطلاقاً من تصرف الجيش الجزائري تجاه قضية خطف رهائن جزائريين وأجانب في الصحراء الجنوبية الشرقية من الجزائر، كونه لم يفتح باباً غير باب المواجهة مع الإرهابيين، والتي انتهت بمقتل المخطوفين. لكن تصريحاً لوزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، وضع الأمور في نصابها، عندما قالت «لا أحد يعرف فظاعة الإرهاب والسلوك الذي يجب انتهاجه معه أكثر من الجزائريين. فقد حاربوه عشرين عاماً».
كلينتون اختصرت الاستراتيجية الأمنية الجزائرية التي تأتي كمحصلة لتجارب السنوات الطويلة التي شهدت فيها الجزائر مواجهات مسلحة بين الجيش والقوى الإسلامية، والتي ذهب ضحيتها الآلاف، سواء برصاص قوى الجيش أو سلاح «الإرهابيين». استراتيجية حملتها القوات الجزائرية معها خلال سنوات «السلم»، فكان تعاطيها مع بؤر تنظيم القاعدة وحلفائه في السياق نفسه، بحيث لا تخلو الصحف الجزائرية يومياً من إعلان مقتل مسلحين في هذه المنطقة أو تلك.
أزمة الرهائن الأخيرة، ورغم أن الجزائر لم تشهد حادثة مشابهة لها خلال السنوات الماضية، تم التعامل معها في السياق نفسه، ووفق المدرسة الروسية التي خرّجت العديد من كوادر القوات الجزائرية. العديد من المحللين الغربيين أكدوا أنه «قضية الرهائن في الجزائر لم تكن لتنتهي سوى بهجوم ضخم من قبل الجيش الجزائري». وعزوا السبب في ذلك الى ما سمّته صحيفة «ذي غارديان» البريطانية «تقليداً لم يتغيّر عند الضباط الجزائريين». و«التقليد» هذا يعتمد على معادلة «لا تفاوض مع الخاطفين» التي اعتمدها الجيش الجزائري منذ حربه الأهلية الكبيرة في التسعينيات.
«ذي غارديان» ذكّرت بوحدات الـ«نينجا» من القوات الخاصة الجزائرية والمحظورة الآن والتي تدرّبت على أيدي السوفيات، وهي اشتهرت بمقاتلة الإسلاميين. أحد المسؤولين الفرنسيين السابقين في مكافحة الارهاب علّق قائلاً «كنت متأكداً من أن الأمور ستنتهي بحمام دم. فكبار الضباط في الجيش الجزائري ينتهجون الأسلوب الروسي في التعامل مع حالات مماثلة».
لكن التعاطي الجزائري له بعد سياسي أيضاً، إذ يأتي في سياق حملة فرنسية على مالي، ليست الجزائر بمنأى عنها. فالقراءة الجزائرية للعملية أشارت إلى أن للجماعة الخاطفة هدفين رئيسيين: أولهما، اختطاف أكبر عدد من الرهائن الأجانب واستخدامهم كورقة ضغط ضد الجزائر وضد الدول الكبرى. وثانيهما، إعطاء الانطباع بأن هذه العملية هي جزء من الحرب الدائرة في مالي، ومخططو العملية يعلمون حساسية الجزائريين تجاه التدخل في شؤونهم فحاولوا التعبئة ضد النظام الذي سمح بتحليق طائرات فرنسية في أجوائه.
قيادة الجيش الجزائري رأت أنه في كل ساعة تمر يقترب الإرهابيون من تحقيق مبتغاهم، وأن الرهائن كلهم معرضون للموت، فعمدت الى القرار بالتدخل السريع.
وكان معدّو الهجوم ومنفذوه يعلمون أن العملية سيكون ثمنها ربما باهظاً. فالمفاوضات مع الإرهابيين أمر غير وارد تماماً في قاموس الجيش الجزائري والاستنجاد بقوات أجنبية، مهما كان الواقع معقّداً، أمر غير وارد أيضاً لسببين: أولهما، أن عقيدة الجيش تتناقض مع التدخل الخارجي في الأمور الداخلية.
وثانيهما، أن هذا الجيش يتمتع بقناعة بأنه الأكثر حنكة في التعامل مع مثل هذه الحالات، وهو القادر فيها على إبداع صيغ
المواجهة.