لا يبدو أن الحرب الدوليّة على شمال مالي متعلقة بالقضاء على ثلاثة تنظيمات إسلاميّة مُسلّحة، في وقت يتضّح فيه بشكل تصاعدي ويومي مدى انتشار كل هذه التظيمات الجهادية وخطورتها، وفي مقدمها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، على مدى منطقة الساحل الأفريقي. فما حدث في الجزائر خلال الأسبوع الماضي من قضية خطف رهائن داخل منشأة للغاز في الصحراء الجنوبية الشرقية، لا ينفصل عمّا يجري في شمال مالي من حرب أفريقية دولية تقودها فرنسا ضد تنظيمات إسلامية سيطرت منذ شهور على المنطقة وفرضت الشريعة الإسلاميّة على سكانها.
الامتداد الأفقي لهذه التنظيمات لا يمكن تجاهله، وخصوصاً حين نعود إلى أصل مشكلة نشوء الإرهاب بعد احتلال أفغانستان وتحوّل العديد من المجاهدين الذين شكلتهم أجهزة الاستخبارات الغربية لمقاتلة الاتحاد السوفياتي آنذاك الى خلايا نائمة وصاحية انتشرت كالنار في الهشيم في المنطقة والعالم.
والرابط بين الشمال المالي والجنوب الجزائري، هو رابط جغرافي يشكل خط تماس مباشر بين البلدين، وخصوصاً أن الجزائر، ومنذ الحرب الأهلية في التسعينيات والتي دامت عشر سنوات، قد صدّرت الى دول الجوار في الساحل الأفريقي عدداً كبيراً من الجهاديين.
فنهاية حرب أفغانستان التي انتهت بغزو أميركي دولي، ساهمت في تشظي الحالة الجهادية الى العديد من مناطق التوتر مثل الجزائر والعراق وليبيا واليمن وباكستان، وصولاً الى مالي ومنطقة الساحل، حيث تحولت علاقات العناصر المُقاتلة مع السكان في تلك المناطق الى علاقات مصاهرة ونسب.
وفي السياق هذا، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أمس، أن «النبوءة» التي كان الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي يرددها، للتهديد بأنه في حال سقوط نظامه ستنتشر الفوضى وتندلع حرب مقدسة في شمال أفريقيا، بما يذكّر الناس بعصر القراصنة، قد اتخذت منحى جديداً مع انبثاق أزمتي مالي والرهائن في الجزائر.
وأشارت الصحيفة إلى العملية العسكرية في مالي وقضية رهائن عين إمناس، إلى «أنه عقب أربعة شهور من مقتل السفير الأميركي لدى ليبيا (كريس ستيفنز) على أيدي جهاديين جاءت أزمتا مالي والجزائر لتزيد من الشعور بأن منطقة شمال أفريقيا تحولت إلى منطقة خطيرة وغير مستقرة تنذر باندلاع حرب أهلية دموية، تشبه ما حدث في سوريا»، مشيرة إلى أنه برغم تعدد أسباب انتشار الفوضى في الصحراء الأفريقية، إلا أنها تمنح ذكرى قاتمة حول ثمن إطاحة النظام الاستبدادي الذي عاشت فيه ليبيا وتونس طوال أعوام.
وأكد الباحث في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى مجموعة الأزمات الدولية روبرت مالي، للصحيفة، أن «الأوضاع الراهنة تكشف الجوانب المظلمة في ثورات الربيع العربي». ورجّحت «نيويورك تايمز» الأميركية ألا تنتهي الأزمة في مالي قريباً، مستندة إلى حقيقة تخفّي المسلحين في صفوف المدنيين من جهة، واستمرارهم في تحصين أنفسهم من جهة أخرى. وقالت إن «مثل هذه الأزمة ربما تمثل اختباراً للحكومات الجديدة في ليبيا والدول المجاورة لها، وهي ظروف إن حاولت القوى الغربية التدخل فيها عسكرياً فإنها ستعيد إحياء الذكريات الاستعمارية، ما يثير حفيظة الإسلاميين».
من جانبه، أكد عضو مجلس الشيوخ ورئيس لجنة الاستخبارات الأميركية مايك روجرز، أنه «في حال عدم التعامل مع المجموعات المسلحة والإرهابيين بشكل سريع وفعّال، فإنهم سيشكلون مخاطر متنامية في المستقبل، ولا سيما في ظل وجودهم في بنغازي والآن في الجزائر ومالي».
أما صحيفة «بوسطن هيرالد» الأميركية، فقد أشارت الى تصريحات عدد من المسؤولين الغربيين والأميركيين بأن هذه المجموعات الإرهابية ربما لا تستخدم مالي فقط لشن هجمات في أفريقيا، بل ربما تصل أيديها إلى الولايات المتحدة وأوروبا.
(الأخبار)