دعوات عديدة صدرت لحثّ فلسطيني الـ48 على المشاركة في الانتخابات الإسرائليية التي تجري اليوم، ومنها دعوات عبرية يسارية، إلا أن جملة من الأسباب تدفع هؤلاء إلى مزيد من العزوف عن المشاركة في الانتخابات، وفي مقدمتها الشعور بعدم القدرة على التغيير أو التأثير، وعدم إمكان صوغ خريطة سياسية إسرائيلية مغايرة لما هي عليه، ولو في حدّها الأدنى. كذلك يبرز تشرذم القادة التقليديين ورعونة أدائهم السياسي والمطلبي إلى جانب القصور عن استيلاد قادة آخرين.
وتشير استطلاعات الرأي التي تجريها معاهد الاستطلاع بين الناخبين العرب إلى أن نسبة من ينوون المشاركة ستكون أقل من 48%. ما اضطر النخب اليسارية اليهودية وصحيفة هآرتس إلى مناشدة العرب المشاركة في الانتخابات لمواجهة عنجهية اليمين وسياساته العنصرية ولدعم الديمقراطية والمساواة ومسيرة السلام.
ويعيش في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 ما يقارب 1.3 مليون فلسطيني، يوزعهم الاحتلال على قوميات مستولدة إسرائيلياً : عرب، دروز، مسيحيون، بدو وشركس. وهم يمثّلون حوالى عشرين في المئة من التعداد السكاني، حيث يحق لـ950 ألفاً منهم المشاركة في الانتخابات. وبحسب استطلاع رأي أجرته جامعة حيفا قبل أسابيع، فإن خمسين في المئة من الذين يحق لهم التصويت لن يدلوا بأصواتهم في صناديق الاقتراع، فيما تظهر معطيات الانتخابات الماضية لعام 2009 أن نسبة الذين أدلوا بأصواتهم وصلت الى 54 في المئة. أما في انتخابات عام 1999 فقد تجاوزت النسبة 75 في المئة.
خريطة تمثيل فلسطينيي عام 1948 في الكنيست الحالي تتوزع على 11 مقعداً، موزّعة بدورها على ثلاثة أحزاب وكتل سياسية مختلفة وذات اتجاهات غير متوافقة بل وأيضاً متنافرة، وهي: القائمة العربية الموحدة _ العربية للتغيير، ذات التوجه الاسلامي _ العربي الغالب عليها، ويترأسها النائب الشيخ إبراهيم صرصور، والممثلة حالياً بأربعة نواب في الكنيست. ويبرز أيضاً التجمع الوطني الديموقراطي، الذي يعلن نفسه كامتداد للتيار القومي العربي والفلسطيني، ويترأسه النائب جمال زحالقة. والتجمع ممثل في الكنيست الحالي بثلاثة نواب. أما الاتجاه الثالث، فهو الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، ذات التوجه الشيوعي العربي اليهودي، والتي تدعو الى الشراكة والتعايش مع اليهود، ويترأسها النائب محمد بركة، وتتمثل بأربعة مقاعد في الكنيست من بينها مقعد يهودي، هو النائب دوف حنين.
وتخوض الانتخابات الحالية، نفس الأحزاب _ الكتل الثلاث، الممثلة اليوم في الكنيست، إلا أن استطلاعات الرأي لا تظهر أن عدد مقاعدها مقبل على زيادة، وستبقى محافظة على عدد يتراوح بين 11 و12 مقعداً، مع تغيير في توزيع المقاعد بينها لا أكثر.
مع ذلك، تجدر الاشارة إلى أن قرابة نصف من يحق لهم الاقتراع من فلسطينيي أراضي عام 1948، الذين سيصوّتون في الانتخابات، أي ما يصل الى 450 ألفاً، لا يصوّتون بأكملهم لقوائم أحزاب وكتل عربية. وبحسب نتائج انتخابات عام 2009، صوّت 60 في المئة منهم للمرشحين الفلسطينيين، بينما صوّت 40 في المئة لقوائم أحزاب صهيونية، أو دينية يهودية غير صهيونية، من بينها أصوات بالآلاف ذهبت لصالح حزب «شاس» الديني المتطرف، وأيضاً لحزب «إسرائيل بيتنا»، بقيادة وزير الخارجية المستقيل أفيغدور ليبرمان، رغم كل المواقف المتطرفة والعنصرية التي يدلي بها ضد الفلسطينيين. هذا الأمر يظهر عدم ثقة فلسطينيي عام 1948 بمرشحيهم إلى الكنيست، وتحديداً قدرتهم على تحقيق مصالحهم الشخصية والخاصة، وفي الوقت نفسه ارتفاع قيمة المصلحة الشخصية المباشرة للناخب الفلسطيني، على حساب المصلحة المشتركة للفلسطينيين، ما دام اليأس قائم في عدم قدرة أي من الكتل العربية على تحقيقها.
وتشير نتائج أكثر من استطلاع رأي إلى أن التمثيل الفلسطيني في الكنيست المقبل قد يشهد تغييراً دراماتيكاً، في حال وصلت نسبة مشاركة الفلسطينيين إلى حدود 80 في المئة، مع تركيز الناخبين على الإدلاء بأصواتهم للقوائم الفلسطينية، الأمر الذي يعني نقل التمثيل الفلسطيني في الكنيست المقبل من 11 مقعداً إلى 22 مقعداً. ومن شأن ذلك أن يشكل انعطافة في نتائج الانتخابات، قد تؤثر على مشهد توزيع القوى في الكنيست، وعلى قراراته أيضاً. إلا أن مسألة توحيد الصوت الفلسطيني، وحثّه على زيادة نسبة التصويت، أمر بات من الصعب تحقيقه، في ظل اليأس المستفحل والمتحكّم الذي يمنع أي حراك قد يقدم عليه فلسطينيو أراضي عام 1948 في هذا الاتجاه أو ذاك.
وعانى فلسطينيو الـ48 الكثير من تغوّل اليمين في الكنيست السابق، حيث كان الأكثر عنصرية ويمينية. الكثير من القوانين ومشاريع القوانين التي صدرت كانت مكرسة لإقصاء العرب ومحاربة كفاحهم وتقييد حرياتهم. ومن أهمها:
قانون النكبة ومشروع قانون الولاء، كما شهد على زيادة الأعمال والممارسات العنصرية على المستوى السياسي والاجتماعي. ويبدو أنهم سيواجهون كنيست أكثر يمينية وعنصرية من سابقه، وسيواجهون قضيتين رئيسيتين: الأولى موضوع الخدمة المدنية؛ فمن الواضح أن الكنيست القادم سيحاول أن يقدم قانوناً بديلاً لقانون طال الخاص بالخدمة العسكرية لمشاركة المتدينين في تحمل الأعباء الأمنية، والعرب سيكونون على مرمى نار بدائل هذا القانون.
القضية الثانية هي التقليصات في الميزانية، والعرب باعتبارهم الشريحة الأضعف اجتماعياً والأكثر فقراً وبطالة، فإنهم سيكونون الأكثر تأثراً على المستوى الشخصي وعلى المستوى البلدي والمؤسساتي. ورغم كل ذلك فإن العرب يميلون إلى الامتناع بغالبيتهم عن المشاركة في التصويت.
وما يزيد «الطين بلة»، دعوة جامعة الدول العربية للمشاركة الفلسطينية المكثفة في الانتخابات الاسرائيلية «من أجل التصدي للسياسات والقوانين العنصرية».
وهي دعوة تحمل في طياتها الكثير من المعاني السلبية التي يتلقّفها الوعي الفلسطيني وتزيد من حدة اليأس لديه، مع زيادة الشعور بفقدان التأييد والمساندة العربيين. فدعوة الجامعة العربية تظهر للجميع، فلسطينيين وإسرائيليين، أن العجز العربي بات مستفحلاً جداً، وأنه ليس هناك إرادة أو توجه مستقبلي لتدخّل حقيقي يغيّر من واقع الفلسطينيين في فلسطين. إذاً لا تغيير في مشهد الانتخابات ونتائجها، من ناحية فلسطينيي الـ1948، بل يشير المشهد الى مزيد من التراجع واليأس.