في محاولة لاستقطاب الناخب اليميني عشية انتخابات الكنيست، أعلن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، أمس، موقفه من الدولة الفلسطينية، فسمّاها في خطاب «بار إيلان» بـ«نوع من الحكم» منزوع السلاح، وتعهد بمواصلة البناء في مستوطنات الضفة الغربية والقدس الشرقية، فيما استلّ ورقة مخاطبة شرائح واسعة من الجمهور الإسرائيلي، التي تعاني من ارتفاع أسعار الشقق، عبر تعيين الوزير السابق موشيه كحلون رئيساً لمجلس إدارة «مديرية أراضي إسرائيل».
ورغم أن البعض قد يفسر استخدام نتنياهو مصطلح «نوع من الحكم» بأنه مجرد مناورة انتخابية، وهذا ممكن، لكن الصحيح أيضاً أن هذا الموقف يعبّر عن حقيقة واقع هذا الكيان السياسي الذي يدعو إليه نتنياهو، وسبق أن وافق على تسميته بالدولة، في ضوء الشروط والقيود التي تفرغ الدولة من محتواها الحقيقي.
من الواضح أن الهدف المباشر من استخدم تعبير «نوع من الحكم» بدلاً من مصطلح الدولة، قبل ساعات من بدء التصويت، خلال مقابلة مع موقع «واللاه»، هو استمالة الشرائح اليمينية التي تنزلق من «الليكود» إلى «البيت اليهودي» الذي دعا رئيسه نفتالي بينيت إلى ضم مناطق «ج» في الضفة الغربية ورفض مبدأ الدولة الفلسطينية.
وذهب نتنياهو في تطرّفه الى تبرير الموافقة على مبدأ «كيان سياسي» للفلسطينيين بأنه لا يريدهم «مواطنين في دولة إسرائيل ولا رعايا» تسيطر عليهم إسرائيل. ولم يكتف باستبدال مصطلح الدولة بـ«نوع من الحكم»، بل ذهب إلى رفضه لإقامة أي نوع من الكيان السياسي الفلسطيني في هذه المرحلة، متذرعاً بأنه «من الناحية العملية، ينبغي أن نرى ما الذي يمكن فعله الآن، في الوقت الذي يعانق فيه (الرئيس الفلسطيني) أبو مازن «حماس» التي دعت قبل شهر واحد فقط إلى القضاء علينا».
وتعهد نتنياهو بعدم «التكرم بمناطق»، كما فعل كثيرون من الأحزاب اليسارية، و«بهذه الطريقة سلمنا غزة إلى أبو مازن»، وبألا تُخلي الحكومة التي سيرأسها أي مستوطنة، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق، قائلاً «لم أقتلع مستوطنات ولا أعتزم اقتلاع أي مستوطنة»، متسائلاً عمّا يعني التوصل إلى اتفاق «هل هذا يغيّر شيئاً؟ هل بإمكان أحد ما أن يضمن أنه عندما يُخلي منطقة، ويقتلع يهوداً، ألا تدخل «حماس» ومندوبو إيران؟ إذ إن كل واحد رأى ما حدث فعلياً».
وكرر نتنياهو موقفه من بقاء الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، «غوش عتصيون»، و«أريئيل»، و«معاليه أدوميم»، جزءاً من دولة إسرائيل، في أي تسوية نهائية مع السلطة الفلسطينية. وتفاخر بأن حكومته لا تُقيّد نفسها بالبناء داخل الكتل الاستيطانية فقط.
من جهة ثانية، لم يكن إعلان نتنياهو نيته تعيين الوزير الاجتماعي سوى تعبير عن حالة القلق والتوتر التي يعيشها قادة «الليكود»، في ضوء توقع استطلاعات الرأي، من أن تنال كتلة «الليكود _ بيتنا» 32 مقعداً، بحيث لن يكون نصيب «الليكود» فيها أكثر من نحو 22 مقعداً، على أمل أن تمكّنه خطوة الساعات الأخيرة من جذب شرائح واسعة من الجمهور الذي يعاني من تفاقم الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار الشقق، بحيث يعجز جزء أساسي من الحلول المطروحة عن تخفيض أسعار الأراضي.
الخلفيات الانتخابية لهذا التعيين تجلّت في اختيار شخصية تحظى بنسبة تأييد مهمة من الجمهور الإسرائيلي، وهي موشيه كحلون، على خلفية تجربته السابقة في تخفيض أسعار الخلوي في إسرائيل، وفي توقيت هذا الإعلان، وكونه جرى من خلال مؤتمر صحافي يعرف نتنياهو مسبقاً أن القانون يمنع التغطية التلفزيونية لأي خطوة تنطوي على دعاية انتخابية قبل ساعات من بدء التصويت.
وأتى إعلان نتنياهو هذا التعيين، رغم أن مديرية أراضي إسرائيل تتبع لوزير الإسكان، وبالتالي فإن أي فصل لها عن وزارة الإسكان يحتاج إلى سنّ قانون جديد في الكنيست. لكن بالرغم من كل ذلك أصرّ على هذا الإعلان، لأنه لا يريد في هذا التوقيت سوى الكشف عن توجهه أمام الجمهور، وهو ما حصل من خلال التغطية الواسعة له في الصحافة الإسرائيلية، وعبر ردود الفعل السياسية والإعلامية على هذه الخطوة.
في المقابل، لقي إعلان تعيين كحلون رئيساً لمجلس إدارة «مديرية أراضي إسرائيل» ردود فعل من قبل أحزاب الوسط واليسار، إذ رأت رئيسة حزب «العمل» شيلي يحيموفيتش أنه يشير إلى حالة الارتباك التي يعيشها نتنياهو بسبب استمرار تراجعه في استطلاعات الرأي. كذلك توجهوا في حزب «العمل» إلى المستشار القانوني للحكومة يهودا فاينشتاين، لممارسة صلاحياته في إلغاء هذا التعيين.
بدورها، رأت رئيسة «الحركة» تسيبي ليفني أن التعيين يهدف إلى وقف التراجع في الاستطلاعات، فيما رأى رئيس حزب «يوجد مستقبل»، يائير لابيد، أن هذا التعيين يعبّر عن عدم ثقة نتنياهو المطلقة بقائمته. أما رئيسة «ميرتس»، زهافا غلاؤون، فعبَّرت عن أسفها لتجاوب كحلون مع اللعبة الانتخابية ولم يطالب بأن يتم التعيين بعد الانتخابات.
في السياق نفسه، رأى وزير الاسكان الحالي ايئيل اتياس، عن حزب «شاس»، أن تعيين كحلون رئيساً لمجلس الإدارة لا معنى له، حيث نتنياهو نفسه منع كل عملية يمكن أن تؤدي إلى انخفاض أسعار الأراضي في فترة ولايته، وذلك بهدف زيادة 8 مليارات شيكل سنوياً إلى صندوق وزارة المال.