الملف | عمّان | يشارف ماراثون الانتخابات النيابيّة في الأردن على بلوغ نهايته. فاليوم يتوجه الأردنيون إلى صناديق الاقتراع كي يدلوا بأصواتهم، وسط تكرار العديد من الوجوه المألوفة في الانتخابات البرلمانية السابقة، لكنّ ثمّة وجهاً كوميدياً جديداً أثار جدلاً وصخباً غير مسبوقين في الأوساط الأردنيّة وبلغ شهرة عربية، لطرافته وغرابة أطواره، في بلد تكتسي فيه الانتخابات النيابية بجدّية تصل إلى حدود التجهّم. إنّه مرشَّح المقعد المسيحي عن محافظة مادبا، شبلي حداد، الشهير بأبو توفيق، الذي بدأ حملته الانتخابيّة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفي مقدّمتها «فايسبوك»، بصور غريبة وشعارات تشبه صيدلية شاملة لكل رغبات الأردنيين وآمالهم. ويتمتع حداد بكاريزما غريبة، تشبه، وفق الكثيرين، الرئيس الليبي المخلوع معمّر القذّافي؛ تشبهه بطريقة كلامه وخطاباته وأزيائه الغريبة، كما أنّه لا ينزع نظارته الشمسيّة في أي مكان، حتى في الأماكن المغلقة، مثل الاستديوات التي استضافته وحاورته. ويرتدي أيضاً سترة يظهر دائماً فيها لون بنفسجيّ، وأحياناً، من باب تضامنه مع الشباب وقضاياهم، يظهر ببدلة رياضية، وأحياناً بملابس رسميّة جداً.
واستقطبت صفحة أبو توفيق على «فايسبوك» 8 آلاف معجب خلال يومين، بينما الإعجاب والتعليقات يعدّان بالمئات؛ وسرعان ما تحول إلى ظاهرة تثير مختلف ردود الفعل وتحتل صدارة الأحاديث والنقاشات حول الانتخابات. أما الصور التي كان يعرضها حدّاد له على مواقع التواصل الاجتماعي، فهي عبارة عن صورة يجرّ فيها حماراً واضعاً عليه شعاراً نصّه «لا لثقافة العيب»، وأخرى يصلح فيها عجلة سيّارة تالفة بالشعار نفسه، وواحدة يجلس فيها القرفصاء ويأكل الخسّ بشعار «كول خسّ لحدّ ما تنام، ولا تاكل فلس حرام»، وثالثة يقود فيها محراثاً كناية عن العمّال.
وأغلب التعليقات على هذه الصور كانت ساخرة؛ فأحدهم علّق محاكياً طريقة حداد: «سأسدّ ثقب الأوزون بفرو الخروف لكي يعمّ الدفء». وآخر علّق على نظارته الشمسية بالقول «هذه النظارة تعمل على موجات كهرومغناطيسية مصمّمة خصيصاً لفحص الزيتون البلدي»، وذلك على صورة له في معمل عصر الزيتون. ومن أشكال السخرية أيضاً، أنّ بعض الأشخاص الموجودين على «فايسبوك» يحملون اسم العائلة «حدّاد» نفسه، كتبوا قرب أسمائهم الحقيقيّة «شبلي حدّاد ما بيقربلي».
إضافة الى الصور، يظهر حداد في فيديو يردّ فيه على الذين يسخرون منه، مخاطباً فيه الشباب بجمل ركيكة بالكاد تُفهم، يقول «أرجو أن تكونوا انتقاداتكم بحق، أن تكونوا ليس بشخصي»، فلم يسلم أيضاً من تعليقاتهم عليها، أظرفها كان تعليقاً باللهجة المصريّة يقول «الواد دا ما بجمّعش».
ويطرح حدّاد نفسه كإعلامي أيضاً، متحدثاً عن تجربته الإعلامية التي بدأت في الخليج، ومبيّناً أنه بدأ بشركة إعلانات، وطوّرها لتكون مؤسسة إعلامية، وواصفاً مسيرته بأنّها «كانت ذكاءً ونشاطاً مني، إذ كنت متابعاً لكل المؤتمرات المحلية والعربية والدولية، محيّراً المتحدثين والمحاضرين بأسئلتي المهمة والذكية»، موضحاً أن بعض المسؤولين قدموا له الدعم.
وبعدما أصبح أبو توفيق وحملته الانتخابية أهم مرشح وحملة في انتخابات 2013، اتجه إلى الغناء دعماً للفن والفنان الأردني والحياة الديموقراطية ومكافحة المال السياسي من خلال أغنية يحثّ فيها الناخبين على الاقتراع في يوم التصويت، حتى إن العديدين أطلقوا عليه لقب «شعبولا» الأردن، نسبة إلى المغني الشعبي المصري شعبان عبد الرحيم.
مع ذلك، لم يخفِ البعض رغبتهم في التصويت لحداد؛ فمنهم من رأى أن البرلمان لن يكون مجدياً في كل الأحوال، لهذا «سنصوِّت له لكي نتسلى في متابعة جلساته»، ومنهم من رأى أنّ برنامجه مقنع وليس من حق أحد أن يسخر منه، فكتب محمد بني ياسين مقالاً يدافع فيه عن حداد جاء فيه «حتى إن لم تنجح في الوصول للقبة، يكفي أن شعاراتك كانت من النبع الذي استمد كل المرشحين من جداوله المتفرعه شعاراتهم، لكنها كانت مخففة كي تقبلها عقولنا النائمة. كنت صادقاً عفوياً لا تهمك ضحكات المستهزئين بقدر الأنين الساكن في شعاراتك وبيانك الانتخابي، أنين مضحك مبكٍ».
وعموماً، لغاية الساعة، نجح شبلي حداد بشكل منقطع النظير في تأمين حملة انتخابية قلّ نظيرها ومقرّ لحملته وشعبية تجاوزت حدود منطقته، وتحويل الانتخابات الأردنية إلى خشبة مسرح قدم عليها مواقفه وقفشاته في كوميديا شعبية، تنافس في قدرتها على الإضحاك وانتزاع الابتسامة أهم الأعمال الكوميدية.
ليس حداد الظاهرة الوحيدة في البرلمان الأردني، كان قبله نائب يدعى يحيى السعود، اشتهر بالمشاجرات التي كان يثيرها في الجلسات، والتي وصلت أحياناً إلى ضرب من لا يعجبه رأيه من زملائه من النواب. فضلاً عن مشهد نائب آخر وهو يرمي حذاءه على زميل له اختلف معه في الرأي، والعديد من المواقف والقصص الأخرى التي نُشرت معظمها بالصوت والصورة على موقع «يوتيوب»، وكانت مجالاً واسعاً للتندر في وقتها. لكنّ شبلي حداد سبقهم جميعاً وحجز مقعداً في الفكاهة الشعبية، حتى وإن لم يستطع حجز مقعد «قرب الشباك» في مجلس النواب الأردني.