القاهرة | لم يكن من بين مطالب المصريين يوم 25 يناير عام 2011 أن يسقط كل يوم شهيد، لكن انحراف الثورة عن مسارها جعل المصريين مضطرين للتضحية بدمائهم. بعد مرور عامين على الثورة، التي لم يفلحوا خلالها سوى بإزاحة حسني مبارك عن سدّة الحكم، لا يزال المصريون يطالبون بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية. لا يزالون يبحثون عن قتلة الشهداء، بينما النظام الحاكم يكتفي بمنح المقتول صكّ الشهادة، والمصاب علاجاً على نفقة الدولة، لتتحول أهداف الثورة إلى مجرد هتافات وشعارات يستخدمها الرئيس لتجميل خطاباته الكثيرة. في الذكرى الثانية لثورة 25 يناير، فاجأ الرئيس محمد مرسي مواطنيه بقرار جمهوري باعتبار شهداء ومصابي أحداث مباراة النادي الأهلي والمصري البور سعيدي، التي ذهب ضحيتها 73 مواطناً في شباط 2012، ضمن شهداء ومصابي الثورة، في الوقت الذي أرسل فيه النائب العام المستشار طلعت عبد الله مذكرة إلى محكمة جنايات بور سعيد، التي كان مقرراً أن تصدر حكماً في القضية المعروفة بمجزرة بور سعيد يوم السبت، يطالبه فيها بتأجيل الحكم في القضية وإعادة فتح التحقيق من جديد، مبرراً ذلك بظهور أدلة جديدة كشف عنها تقرير لجنة تقصي الحقائق. وهذا ما أثار غضب العديد من المصريين، الذين اعتبروا أنّ مرسي أراد أن يتلافى تزامن ذكرى ثورة 25 يناير مع موعد الحكم في قضية أحداث بور سعيد، لما قد يترتّب من غضب روابط مشجعي ناديي الأهلي والمصري و«الألتراس»، الذي قد لا يتحمله النظام الحالي. في الوقت نفسه، تزامن الأمر مع صدور 3 أحكام جديدة بالبراءة لصالح ضباط وقادة في «الداخلية» في قضايا قتل المتظاهرين، رغم أن الرئيس مرسي برّر تعيينه للمستشار طلعت عبد الله كنائب عام بعدم رضاه عن سير قضايا قتل المتظاهرين. الأمر الذي جعل الذكرى الثانية من الثورة المصرية تقتبس شعار الألتراس: «القصاص أو الفوضى»، وخاصّة أنّ المتأمل للغة رموز وقادة الحزب الوطني عشية يوم 25 يناير 2011، واللغة التي يتحدث بها قياديو حزب الحرية والعدالة اليوم، يلاحظ نفس النبرة الاستعلائية. إذ خرج أركان النظام الحالي يهددون ويتوعودن من يفسد الإنجاز العظيم الذي تحقق لهم، فحذّر نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين من إشاعة الفوضى، مؤكداً أنّ الذكرى الثانية ستشهد مناخاً أكثر إيجابية، لوجود رئيس منتخب ودستور أقره الشعب، متجاهلين المعارضة التي أعلنت رفضها لسياسات الرئيس ودستوره، الذي صنعه فصيل واحد.
وفي تشابه مع تقارير الحزب الوطني المنحلّ عن ارتفاع مؤشرات التنمية وتضاؤل معدلات البطالة، تؤكد الجماعة أنها «لن تسمح بإجهاض الثورة وإشاعة أي نوع من أنواع الفوضى، أو العنف وإفساد الإنجاز الذي تحقق»، بل يطالب بعضهم الرئيس بإعطاء الإذن للقوات المسلحة بالقبض على أيّ خارج عن الشرعية، لتتحول الثورة، التي جاءت بحزب الحرية والعدالة بديلاً من نظيره «الوطني»، إلى خروج عن الشرعية حسب قادة الجماعة.
المصريون في الذكرى الثانية للثورة سيتذكرون الدماء التي ضحوا بها من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، ولا يزالون يطالبون، دون جدوى، بالقصاص لمسببيها. سيتذكر المصريون أيّام الثورة والـ 800 قتيل الذين وقعوا خلالها، وما أعقبها من اعتصامات أودت بحياة المئات.
وسيذكرون فحوص كشوف العذرية التي أجراها ضباط القوات المسلحة على عدد من المتظاهرات في 8 نيسان عام 2011، وأحداث مسرح البالون، التي اعتدت فيها الشرطة على أهالي شهداء ومصابي الثورة، وأحداث السفارة الإسرائيلية. وسيتذكرون أحداث «ماسبيرو»، التي راح ضحيتها 27 مصرياً غالبيتهم من الأقباط، دهساً بدبابات ومدرعات القوات المسلحة. الذكرى الثانية للثورة ستعيد إلى الأذهان أحداث محمد محمود الأولى والثانية، إلى جانب أحداث مجلس الوزراء وأحداث السفارة الأميركية ثم مجزرة بور سعيد، والأحداث التي اندلعت أمام وزارة الداخلية على آثرها في 2 فبراير/ شباط الماضي، والتي راح ضحيتها 9 قتلى. ومؤخراً أحداث «الاتحادية»، التي ربما سنكتشف أنها من أحداث الثورة أيضاً، وهذا ما يؤكد على أنّ أهم إنجازات ثورة 25 يناير هو أنّ عدد ضحاياها في ازدياد. وفي الذكرى الثانية يزيد الهمّ على الثوار، فأول رئيس منتخب، كما يحب أنصاره وصفه، سكت عن الدم الذي سال حتى على باب قصره في الاتحادية.
الإحصاء الحكومي الوحيد لعدد الشهداء، حسب رئيس المجلس القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين، حسني صابر، أصدره المجلس في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي متضمناً عدد شهداء ومصابي الثورة قبل ضمّ أحداث بور سعيد يقرّ بأنّ عدد الشهداء 840 شهيداً، حسبما قال لـ«الأخبار». في الوقت الذي قدرت فيه تقارير حقوقية عددهم، في الفترة ما بين 25 يناير 2011 و11 فبراير/ شباط بما يتجاوز 1100 شهيد، وأعداد المصابين إلى 5298 مصاباً. لكن صفة الشهيد في مصر، سواء في ظل حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو في عهد الرئيس محمد مرسي، تحتاج الى قانون. فبحسب صابر، يطلق لقب شهيد على كلّ من قتل أثناء الثورة في أماكن الثورة، وتلك الأماكن لا بدّ أن يصدر بها تشريع، ففي عهد المجلس العسكري صدر مرسوم باعتبار محيط شارعي مجلس الوزراء ومحمد محمود وسط البلد هي أماكن للثورة، وعليه يتمّ اعتبار كل من قتل في الشارعين خلال التظاهرات شهيداً. ولفت إلى أنّه بموجب القرارات التشريعية التي صدرت في عهد المجلس العسكري، تمّ احتساب عدد الشهداء بحصر القتلى الذين وقعوا في مصر خلال أحداث 25 يناير 2011 حتى 24 آذار على مستوى محافظات مصر جميعاً، وبعد ذلك تمّ حصر شهداء كل حدث على حدة، عبر حصر عدد الشهداء في مكان وفي وقت الاشتباكات. وعن كيفية وضع قتلى بور سعيد ضمن شهداء الثورة، قال صابر إنّ المجلس تقدم بطلب فتوى إلى دار الإفتاء المصرية، وأفادت بأنّ مشجعي الأهلي الذين لاقوا حتفهم هم فئة معتدى عليها وليست باغية، وهم شهداء بحكم الشرع.
جزء كبير من المصريين البسطاء تحوّل أملهم في العيش بحرية وعدالة توفّر لهم حياة طبيعية. أصبح أملهم، اليوم، أن يتوقف فقط نزف الدم.