الجليل | كلمة «كنيست» هي الكلمة العبرية التي تشير الى الكنيس اليهودي. أما سبب تسميته بذلك، فهو لأنه رمز للمكان الذي يلتقي فيه رجال الدين اليهود الذين كانوا تاريخياً ممثلي الشعب اليهودي، فلما احتل الصهاينة أرض فلسطين وأقاموا فيها دولة، أطلقوا اسم «كنيست» على برلمان هذه الدولة، دلالة لكون الدولة «ملكاً» للشعب اليهودي أينما وجد، ويعني أن أعضاء هذا البرلمان ما هم إلا ممثلون للشعب اليهودي. واجهت هذه الدولة مشكلة بنيوية، فرغم تشريد أصحاب الأرض الأصليين وتهجيرهم، صمد قسم في أرضه ورفض تركها. كان على هذه الدولة أن تبقي عليهم و«تقبل بهم» مواطنين فيها حتى تستطيع ملاءمة نفسها لتوقعات من ساهم في إقامتها. ولهذا وجب عليها أن تضيف كلمة «ديموقراطية» الى تعريفها، وهكذا صار تعريفها يشتمل على تعريفين متناقضين: «يهودية وديموقراطية».
فأحدهما تعريف قومي يعطي فوقية لصاحب القومية المحددة، في حين تتم المساواة بين القوميات المختلفة في التعريف الآخر الديموقراطي. عدة أمور حدثت منذ عام 1948 حتى اليوم، وواجه العرب في هذه البلاد الكثير من التضييقات التي هدفت أولاً وآخراً إلى إخراجهم بكل الطرق من أراضيهم. ولم تتغير السياسات الإسرائيلية الهادفة إلى اقتلاع العرب من أرضهم، إلا أن ما تغيّر فيها كان الطريقة: فقد اتخذت هذه السياسات طابعاً قانونياً، هكذا قامت «إسرائيل» بملاءمة نفسها مجدداً لتوقعات من ساهم في إقامتها وبقائها. صار يتم سنّ قوانين «ذكية» لمصادرة الأراضي، وصار يتم هدم البيوت بحجة «البناء غير المرخّص». في ظل هذا كله، وجب على الفلسطينيين العرب الذين باتوا جزءاً من تعداد دولة إسرائيل السكاني أن يجدوا طريقة لمواجهة التعنت والعنهجية الإسرائيلية، وهنا تجدر الإشارة الى أنه مع انتهاء الحكم العسكري سُمح للعرب بتكوين الأحزاب والحركات السياسية المختلفة التي كانت ممنوعة سابقاً (بالرغم من منحهم حق الاقتراع منذ منحهم الجنسية الإسرائيلية)، طبعاً على أن تلائم هذه الحركات فكرها (المعلن عنه على الأقل) لعدة قوانين وضعتها الدولة وحددت حسبها المسموح والممنوع. هنا ظن البعض أن الحل الأمثل للمواجهة هو باستخدام أدوات وأسلوب الحكومات الإسرائيلية المختلفة، أي القانون، ولهذا ظنوا أنه يجب عليهم أن يكونوا جزءاً من المشرّع الإسرائيلي ويأخذوا دوراً فيه، هكذا ظنوا أنهم سيستطيعون منع القوانين التي تسنّ لإقصاء وتشريد المتبقي من أهل هذه الأرض وأصحابها والاستيلاء على أراضيهم. اختلفت الأحزاب والحركات السياسية التي شكلها السكان العرب حول وجوب مشاركتهم في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية أو وجوب مقاطعتهم لها فشارك البعض وقاطع الآخرون.
لكن فعلياً سؤال واحد يحدد «نجاعة» المشاركة في انتخابات الكنيست وهو: هل لمشاركة العرب أي تأثير فعلي على سير الأمور في هذه الدولة؟ الجواب لا أحدده أنا بل «إنجازات» هذه الأحزاب العربية حتى يومنا هذا. إن الفوائد التي تتلخص بها مشاركة العرب في انتخابات البرلمان الإسرائيلي هي إضفاء لمسة شرعية لسنّ القوانين المختلفة التي وضعت ضد العرب وعملية تجميلية مجانية لديموقراطية إسرائيل أمام العالم، هكذا فقط يستطيع «نتنياهو» التبجح أمام الكونغرس الأميركي والعالم بأن دولته هي الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وأنها تعطي العرب حقوقاً وتمثيلاً برلمانياً! عندما تكون جزءاً من منظومة ما، وخاصة إذا كانت تدّعي الديموقراطية، يكون لك كل الحق بإبداء الاعتراض، لكن القرار الذي تتخذه هذه المنظومة يكون سارياً عليك رغم اعتراضك، هكذا مثلاً تكون شريكاً بإعلان الحرب على غزة، أو بناء المستوطنات في الضفة، وحتى سنّ القوانين ضد نفسك، لأنك ببساطة صرت جزءاً من المشرّع رغم اعتراضك !
كيف إذا ما زال هناك من يبرّر المشاركة في انتخابات الكنيست (وفي بعض الحالات يدافع عنها)؟ هم يدّعون أن النواب العرب (ضمن الأحزاب العربية) استطاعوا بكثير من الأحيان منع سنّ قوانين «عنصرية»، والمطالبة بالـ«مساواة» بين العرب واليهود في الدولة، وتخصيص ميزانيات للبلدات العربية من أجل تطويرها وغيره، لكنهم نسوا شيئاً مهماً جداً: لا يمكنك أن تساوي يوماً بين المحتل وصاحب الأرض، كما لا يمكنك أن تأخذ دوراً حيث يسعون إلى إقصائك، لأنه وببساطة «أدوات السيد لا يمكن أن تهدم بيت السيد».
الحقيقة الوحيدة التي لا يزال يواجهها السكان العرب الفلسطينيون في أرضهم لليوم هي أنهم لا يزالون يتعرّضون للتشريد والتهجير الممنهج، هدم البيوت، الملاحقات السياسية، سياسات التجهيل والإقصاء والشرذمة المختلفة وغيرها الكثير، لكن أكثر من كل ما ذكر هو كون كل هذا لا يزال يتم تحت قبة... القانون. في بعض الأحيان عليك أن تعتاد التناقضات التي تعيشها، لكن لا تسمح لنفسك بأن تصير جزءاً منها، يمكنك أن تجمع بين أن تشارك شعبك مأساته وتشارك محتلك الحياة، دون أن يرفّ لك جفن، هكذا فقط ستنجو وتستمر بالبقاء. لا تكون حينها قد فقدت الإحساس، لكنك تكون فقط قد أصبت بالخدر. يظلّ أن لا تنسى أنه لا بد أن يكون للخدر حدّ، لو تعدّاه صرت غريباً عن نفسك، الأمر ليس شديد التعقيد كما يبدو، لكنه باختصار يحتاج منك إلى القدرة على أن تقرّر وأن تميّز وأن تفصل بين الضرورة والضار.



يعيش ما يقارب مليون ونصف مليون فلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948. يطلق عليهم تسمية عرب الـ48؛ فهم الذين بقوا في أرضهم ولم يرحلوا عنها. يعيشون داخل الخط الأخضر، وتحديداً في منطقة الجليل والقدس والنقب. يشكلون 19.7% من مجمل عدد سكان إسرائيل، أغلبهم لا يؤدي الخدمة العسكرية؛ لأنهم رفضوا تقديم الولاء للدولة العبرية.