ُودّع عاماً وأفتحُ الباب للعام الجديد. أحاولُ أن أنسى أو أتذكر، كالفيلم السينمائي الطويل أمامي، ما حدث للشعوب والعالم وفي الأرض والأمنيات، هي هي تعبر من عامٍ إلى عامٍ وفي قلبي أمنية تراودني من البداية حتى النهاية. تقسو عليّ حيناً، وتدلّلني أحياناً، وتخدشني لأتذكر طعم الجرح الذي ينضج فيّ .من هي؟ فلسطين، الملاك المنتظر من عامٍ إلى عامٍ، وما زلتُ واقفاً على شرفةٍ في أحد بيوت المخيم والمنفى في الصحراء والصدى، رأيتُ السّراب مرّات وعشتُ أقرأُ في كتاب التاريخ عنّي. أنا ما زلتُ هنا الأقرب والأبعد بين الضوء والظلمة في تكدّسِ الأحلامٍ والأوهامِ. أدخلُ في السنة الجديدة كأنني أفتحُ باب غرفةٍ مقفلةٍ قد يطير الحمام فجأةً أو تعوي الكلاب فجأةً أو يخيم الصمت ويصيحُ رجل: لا أحد، لا أحد. ها هي سنتي الجديدة التي ما زالت مقفلة. كنتُ أحلمُ بالمطر على أرض أجدادي وأُبصرُ نفسي في ربيعٍ فلسطينيّ الملامح والهوى خريفيّ الجراح والفكرة. أرفعُ يديّ للسّماء في أوج الغيوم، وأدعو الله بالنصر والعزة والشموخ كزيتون تلك الأرض المقدسة كلّها من البحر للنهر ومن عامٍ إلى عامٍ أسأل نفسي: ما اكتسبته من دروس الهزائم؟ هل الهزيمة تشبه الموت، أم أنها تشبه الحياة أكثر؟ كم قلنا: ما سقطنا إلا لننهض، سننهض في العام الجديد صاعدين على خيول العودة، هل من أملٍ ما؟ يا عامي العابر أيّها المخبوء في المجهول والأسئلة.نتخيّلُ ونرسم في عقولنا وقلوبنا في نبض الكلمات الناطقة صورتها من بعيد، هي لحظة الخشوع النسبي على ما مضى أو سيمضي بالأبيض والأسود فيسرع الوقت أمامنا ونسأل: ما هذا الجموح اللاطبيعي في مرور السنين، وفي كل سنةٍ يزداد الحلم إشراقاً، ويزداد الواقع ضنكاً في مسيرتنا إلى ذاتنا والتراب. عاش التراب وعاشت لحظة الرجوع المنتظرة إليه وإلينا وإلى كل شيءٍ فينا،
أجلس نصف الشمس على وجهي، والنصف الآخر للظل. لم تنته حكايتنا ولم يجفّ قلمي بعد. أكتبُ لأواصل أمنيتي في هذا الصباح الأول مع طلوع الفجر الأول بين سنةٍ ودّعتها واستقبلت سنة جديدة، وفي آخر الليل كنت أخوض معاركي مع آخر الساعات والأمنيات. طار النعاس في لحظة التعرّي الكامل للمصير بين وقتٍ طار مع النعاس وقلبٍ صامدٍ مع الأمنيات كالشجرةِ التي سقطت أوراقها إلا واحدة أبت أن تستقرّ وسط العاصفة، اكتبْ. اكتبْ للقمر ما أجملك/ واترك الليل وحدهُ لم أركْ/ وبين بين ينتفضُ القلم ما زالت حربكَ مستمرة. اتبع جنونك العاطفي وهواجسك. آن الأوان؛ فكل شيءٍ مستباح للكلام/ آن الأوان عد لاسمك والمكان ولا زمان/ آن الأوان للأرض والحضن والأحلام. أهلاً بالعام، هنا في بيتٍ ليس لنا وفي بلدٍ ليس لنا، نحن وأنت ضيوف هذا العالم المبعثر. كلانا لاجئٌ، وهذا الحرف المكسّرْ. تفضّلْ.