عمّان | فيما تحتفل الماكينة الانتخابية الأردنية الرسمية بـ«انتصارها» على وقع نسبة الاقتراع المرتفعة (57 في المئة كما يروّج لها) وتقارير النزاهة، رغم تجاوزات عديدة شابت العملية الانتخابية، تؤكد الماكينة الإسلامية الإخوانية التلاعب بالنتائج ونسب المقترعين، وتشير إلى طبيعة النوّاب الفائزين: رجال المال السياسي والعشائر، بوصفها نتيجة متوقعة لقانون الانتخاب ستدخل البلاد في «أزمة سياسية».
النظام يستجدي المساعدات الخليجية، ويواصل «تحرير» الأسعار لضمان قروض جديدة من صندوق النقد الدولي، غير أن مخاوفه من التمدد الإسلامي محلياً وإقليمياً تدفعه إلى إلقاء اللوم على الإخوان، الذين يتعارضون مع نظرته تجاه الأزمة السورية، لتكون تجاذباتهما الداخلية جزءاً لا ينفصم عن الاستقطابات الدائرة في المنطقة.
فالملك عبد الله الثاني حذّر، في مقابلة أخيرة مع مجلة «لو نوفيل أوبسرفاتور» الفرنسية، من «خطورة أن نرى دكتاتوريات إسلامية تحل مكان دكتاتوريات علمانية في المنطقة»، وفي ضوء ذلك يتصاعد الخلاف بين النظام والإخوان ــ حليفه السابق ــ رغم نفي القصر رسائل ساخنة تبادلها مع جماعة الإخوان المسلمين، سرّبتها فضائية عربية تحابي الإسلاميين، وصل مضمونها إلى حدّ تهديد الجماعة بإمكان حلّها إن استمرت على نهجها السياسي الحالي.
«انتخابات 2013» ستُعمّق «عزلة الإخوان»، وفق تصريحات حكومية، أعقبها إعلان فوز حزب الوسط الإسلامي بـ 16 مقعداً. حزب يضم شخصيات إخوانية سابقة وأخرى مقربة من الأجهزة الأمنية، وليس له أي حاضنة اجتماعية، ما يعيد إلى الأذهان محاولات النظام، العام الماضي، تشكيل حزب إسلامي لينافس الإخوان في انتخابات مقبلة، واستُقدِم لتأسيسه صحافي أردني يعمل مستشاراً لملك البحرين، تربطه علاقات متينة بأوساط سلفية «غير جهادية»، لكن تلك الجهود باءت بالفشل.
الكتلة النيابية الأكبر (الوسط) لن تتمكن من تشكيل حكومة برلمانية، ما لم تتحالف، بترتيبات رسمية، مع أكثر من 30 نائباً من رجال الأعمال وغيرهم من مسؤولين سابقين وممثلي عشائر ومناطق يقدّرون الدعم الحكومي لحملاتهم الانتخابية، بيد أن ولادة هذه الحكومة تمثّل عبئاً ثقيلاً على النظام (بالنظر إلى تشتت الائتلاف المكوّن لها)، ولن تمتلك حلولاً لأزمات الأردن الاقتصادية، إضافة إلى عجزها «المسبق» عن دعم النظام في مواجهته المتصاعدة مع الإخوان الذين يتمتعون بموقع معارض أفضل خارج مجلس النوّاب.
وعلى هامش نتائج الانتخابات، تنتشر أحداث الشغب في محافظات عدة، بسبب رفض مرشحين راسبين (لا ينتمون إلى المعارضة) ما سمّوه التزوير. غير أن بعض مؤيديهم الغاضبين هتفوا بشعارات مؤيدة لجماعة الإخوان نكاية بالنظام، وعاد بعض الراسبين للإشادة بموقف الجماعة المُقاطِع للعملية الانتخابية برمّتها.
يترقّب الإخوان مزيداً من «أخطاء» النظام، وهم على موعد وشيك مع رفع أسعار الكهرباء خلال الأسبوعين المقبلين، ما ينذر باحتجاجات كبرى قد تحشد لها الحركة الإسلامية وترفع من سقف شعاراتها، خلافاً لمشاركتها الرمزية «المتقصدة» في هبّة تشرين الأخيرة. وفي الوقت نفسه، تصرّ رموز الحركة على تقمص دور «المشرّع»، رغم غيابها عن البرلمان، الذي قاطعوه لوجود «شبهة» حول المشاركة فيه، حسب أقوال الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي (الذراع السياسية للإخوان) حمزة منصور، يوم الجمعة الماضي.
«شبهة» تخلط دور الفقيه بالسياسي، وتنسحب على مجمل مواقف الإخوان منذ مقاطعتهم الانتخابات، وتتكرّس في وقت يزداد فيه انحسار تأثير السلطة التي تعيد إنتاج نفسها بمجلس نيابي وحكومة مقبلة على مقاس القصر والأمن.
حلفاء الإخوان في الجبهة الوطنية للإصلاح المعارضة شكّوا، بدورهم، في تصريحات المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور همّام سعيد، في جمعة الشرعية الشعبية، قبيل يوم الانتخابات، التي تحدث فيها عن «قدوم دولة إسلامية».
«دولة إسلامية» تراهن الحركة على إقامتها آملة ازدياد نفوذ حلفائها الإقليميين (تركيا وقطر ومصر) من خلال توقع أوساط مقربين منها سقوط النظام السوري في النصف الأول من العام الحالي. وهم يرون ذلك إضعافاً للنظام الأردني وفرصة لفرض شروطهم للمشاركة في الحكْم، بينما ينسّق النظام مع حلفائه، السعودية تحديداً، خشية وصول بديل إخواني لنظام الأسد.
هذا ما قد يؤكد تسريبات عن لقاءات أمنية ثلاثية جمعت أمنيين سوريين وسعوديين وأردنيين في عمّان الأسبوع الفائت، أبدى خلالها الجانب الأردني هواجسه المتعاظمة حول الدعم الخليجي المُفرط لمسلحي القاعدة في سوريا، الذين يضمون مئات الأردنيين، بحيث تنذر عودتهم إلى وطنهم قريباً باستنساخ الوضع السوري من جديد.
معطيات متعددة داخلياً وخارجياً ترسي ثنائية (النظام/ الإخوان) مع تنبؤات باختلاف قواعد اللعبة واختراق ضوابط ومحددات كان يراعيها الطرفان مسبقاً، وهما في صراعهما على السلطة لا يختلفان على النهج الاقتصادي المُدمّر ولا على اتفاقية السلام المُذلة مع العدو الصهيوني، بل يتصارعان على تعديلات دستورية تنهي أو تقلل صلاحيات الملك لمصلحة «الحزب الأكثر تنظيماً» كما يحلو لوسائل إعلام عربية ترديده، ويربطان في الوقت ذاته مصالح الأردن المتعلقة بالجوار السوري، أخطر القضايا المؤثرة على مصير الوطن، بمصالحهما كسلطة حاكمة وحزب يشتهي الحكْم بأي ثمن. انتهت موقعة «الانتخابات»، وإن ظلّت آثارها حاضرة في مستقبل يُخبئ مواقع لا يمتلك أحد قراءة واضحة لمواقيتها والتحولات التي ستُسفِر عنها وحجم الخسائر المترتبة عنها، وسيتكبّدها الأردنيون وحدهم.