صنعاء | «لا أفهم كيف بإمكانهم أن يغلقوا كل هذه الشوارع دون توفير بديل». هكذا عبّر أحمد عبد الرحمن، سائق سيارة الأجرة، عن غضبه من الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذت في صنعاء أمس، بسبب وصول وفد من مجلس الأمن الدولي إلى العاصمة، في زيارة هي الأولى من نوعها في تاريخ اليمن. وفيما انتشرت قوات الأمن في جميع أنحاء العاصمة وفي مدخل شارع الستين تحديداً الذي أغلق أمس رغم أنه أهم خط سريع يصل كافة المناطق الحيوية بعضها ببعض، استيقظت العاصمة على ضجيج لا يشبهها.
فصوت محركات الدراجات النارية، التي حظرت الداخلية اليمنية تجوالها بدءاً من مساء السبت وحتى صباح اليوم، استُبدل بأصوات المروحيات العسكرية التي ملأت السماء لتأمين وفد مجلس الأمن الدولي الذي يزور اليمن برئاسة المندوب الدائم لبريطانيا السفير مارك ليال، الذي تشغل بلاده رئاسة الدورة الحالية لمجلس الأمن الدولي، والمندوب الدائم للمغرب السفير محمد لوليشكي، ممثلاً عن المجموعة العربية.
وحرص أعضاء مجلس الأمن، إلى جانب المبعوث الأممي لليمن جمال بن عمر والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني، على عقد اجتماع مغلق مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، فضلاً عن اجتماع مع حكومة الوحدة الوطنية ولجنة الشؤون الأمنية والعسكرية التي تشرف على عملية إعادة هيكلة الجيش والقوى الأمنية قبل أن يعقدوا جلسة مفتوحة بمشاركة كافة المسؤولين اليمنيين وسفراء دول مجلس الأمن، ومن ثم مؤتمراً صحافياً.
وخلال اللقاء شدد الرئيس اليمني على أهمية الحوار الوطني بوصفه «استحقاقاً مهماً سينتج منه صياغة معالم الدولة اليمنية الحديثة». وحذر من أنه «لا بديل من الحوار إلا العودة إلى مربع العنف»، فيما كان لافتاً تشديده على وحدة اليمن، وهو ما كان قد أكده أول من أمس بقوله إنّ «الشعب اليمني كان وسيظل دائماً مع الوحدة ولا عزة ولا رفعة لليمن إلا بالوحدة».
أما المبعوث الأممي إلى اليمن، جمال بن عمر، فرأى أن الزيارة «ما هي إلا لتأكيد الدعم الكبير الذي يقدمه المجتمع الدولي لليمن دولة وشعباً في عملية الانتقال السياسي»، و«لتأكيد ضرورة المضي قدماً في العملية السياسية». وشدد على أهمية «تلقف هذه الفرصة التاريخية النادرة التي تصبو إليها شعوب دول أخرى وقلما تجدها»، فيما تحدث عن «قلق مجلس الأمن من بعض العراقيل» التي تعوق العملية السياسية في اليمن.
من هذا المنطلق شكلت الزيارة في نظر البعض مقياساً لمدى عرقلة العملية السياسية التي باتت بحاجة إلى تدخل بهذا الحجم. الصحافي سامي غالب، رأى أن زيارة مجلس الأمن الدولي تأتي في ظل انخفاض الثقة بمؤتمر الحوار الوطني واحتمالات تفجر نزاعات مسلحة في أكثر من موقع داخل اليمن. وأوضح لـ«الأخبار» أن رعاة المبادرة الخليجية يستشعرون وجود مخاطر على المسار الذي أطلقته المبادرة، وخصوصاً في ما يتعلق بسلطة هادي الذي كما يبدو يتخبط في قراراته ذات الصلة بالجيش والأمن، ما يضعف التوقعات التي وضعت عليه كرئيس قادر على التعامل مع المرحلة الانتقالية. وأضاف: «هناك أيضاً تهديدات قادمة من أطراف يمنية ليست جزءاً من المبادرة، تتمثل في تنامي قوة الطرف الحراكي الرافض للدخول في مؤتمر الحوار الوطني، والذي أظهر قدرته على تحريك الشارع في الجنوب كما حصل في ذكرى التصالح والتسامح»، وهناك أيضاً «الحوثيون المتأرجحون في خطابهم بين المشاركة والتلويح بالمقاطعة، والطرفان لهما علاقات بإيران غير المتحمسة للمبادرة الخليجية التي تخوض صراعاً متعدد الدوافع والأدوات ضد الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج».
وقد شهد اليمن، أمس، تظاهرتين في صنعاء وفي عدن هدفت كل منهما إلى إيصال رسالة لوفد مجلس الأمن الدولي. ففي صنعاء، تظاهر عشرات الآلاف بدعوة من ائتلاف «شباب الثورة» للمطالبة برفع الحصانة عن صالح ومحاكمته وتجميد أرصدته، فيما خرج عشرات الآلاف في عدن في مليونية «نحن أصحاب القرار» لتأكيد رفض المشاركة في الحوار الوطني.
وبعيداً عن الأبعاد السياسية لزيارة وفد مجلس الأمن، طرح اليمنيون تساؤلات عن سبب التوقف المفاجئ للانفلات الأمني فقط حين تزور الوفود الأممية القصر الرئاسي، بينما تغرق العاصمة في فوضى أمنية باقي العام تتجلى بوضوح في اغتيالات لقادة عسكريين التي ينفذها سائقو دراجات نارية مجهولو الهوية وانتشار حمل السلاح من قبل قبليين منتشرين في شوارع العاصمة.
حافظ البكاري، رئيس المركز اليمني لقياس الرأي، رأى أن «هذه الإجراءات الأمنية المشددة ومنع السلاح في صنعاء والحضور الواضح لقوة الدولة تؤكد لنا أن المسألة تحتاج إلى قرار، وأن الانفلات الأمني ليس إلا لسببين: إما لغياب هذا القرار، أو لأن القرار أصلاً هو تسهيل الانفلات»، مشيراً إلى أن «المجتمع يحتاج إلى التأمين أكثر من مجلس الأمن، فلماذا يحرم إياه؟».
أما المواطنون فعبّروا عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن سخريتهم من حال الشلل التي أصابت العاصمة، وتهكموا على كيفية تعامل الدولة مع أمن الزوار كأولوية في ظل التظاهر بالعجز حين يفتقد الشعب للأمن والحماية الكافية.
وبدا واضحاً هذه المرة أن صبر اليمنيين ينفد بسبب عدم قدرتهم على استيعاب قلة حيلة الدولة في حمايتهم، بعدما غلبت الكوميديا السوداء على تعليقات اليمنيين في بداية الانتفاضة الشعبية.
وعندما لاحظ اليمنيون أن تفجيرات أبراج الطاقة الكهربائية تتوقف فقط لبضعة أيام في كل مرة يزور فيها بن عمر العاصمة، امتلأت الصحف بالنكات التي يتبادلها الناس في المقاهي عن رغبة الشعب اليمني في استضافة المبعوث الأممي طوال العام على نفقة المواطنين رغبة في ضمانات توفر أساسيات الحياة كمصابيح الكهرباء وغاز الطبخ.