القاهرة | بوادر السقوط الثاني للشرطة المصرية كان بادياً مساء امس على شاطئ نهر النيل في قلب العاصمة القاهرة، حين حاصرت مسيرة قوامها الآلاف ثلاثة سيارات لقوات مكافحة الشغب «الامن المركزي»، ووقفت عاجزة عن اطلاق الرصاص وصولاً الى محاولة الضباط التراجع دون جدوى، قبل ان يستسلموا وبعدما اضرم المحتجون في احداها النار. المشهد اعاد إلى الأذهان مشاهد شبيهة حدثت في ما أطلق عليه اسم «جمعة الغضب الأولى» قبل عامين تحديداً، حين سقطت سيارات الشرطة وضباطها وجنودها في ايدي المتظاهرين الغاضبين، وكانت منطلقاً لتصاعد الثورة التي أدت إلى سقوط حسني مبارك. المسيرة أمس كانت قد انطلقت من مسجد السيدة زينب في الحي الذي يحمل الاسم نفسه عصراً وجابت شوارع الحي الفقير لأكثر من ثلاث ساعات متصلة، في محاولة للوصول الى مجلس الشورى، قبل ان تضطر الى تفادي جدار ضخم يسد شارع القصر العيني، كانت قوات الجيش قد اقامته لحماية مقري مجلسي الشورى والنواب من المتظاهرين في الذكرى الاولى لأحداث شارع محمد محمود. وبعدها انحرفت الى شاطئ النيل في حي غاردن سيتي المكتظ بقوات الشرطة اصلاً لحماية مقري سفارتي الولايات المتحدة وبريطانيا.
كانت الظاهرة الأبرز في التظاهرة هي انضمام المئات من سكان المناطق الفقيرة إليها، ما عدل الهتافات لتدين في الاساس تدهور مستويات المعيشة ومواقف جماعة الإخوان الاقتصادية والاجتماعية. سلوى مثلاً، وهي امرأة اربعينية منقبة، كانت تهتف من خلف نقابها ضد «الإخوان». وقالت لـ«الأخبار» إنها انضمت إلى التظاهرة احتجاجاً على ارتفاع الاسعار القياسي وعلى ضياع حق الشهداء في القصاص. وتابعت رداً على تساؤل عن مفارقة تظاهر امرأة منقبة ضد الاخوان المسلمين، قائلة «كلنا هنا أخوة».
كذلك قال جمال عبد الناصر، الذي يمتلك متجراً صغير لبيع الملابس، لـ«الأخبار» انه يحتج على ارتفاع الاسعار الذي اصاب الفقراء في مقتل، معتذراً عن انتخابه مرسي في الانتخابات الرئاسية، واختيار حزب «الحرية والعدالة» في الانتخابات التشريعية.
حال عبد الناصر مماثلة لأحمد، سائق التاكسي، الذي كان من مؤيدي الإخوان وحزب الحرية والعدالة في الانتخابات التشريعية والرئاسية، غير أنه بدأ يعيد حساباته، بعدما لمس عدم وجود أي تحول وانعكاسه مباشرة على الطبقات العاملة. وقال: «الوضع لا يزال كما هو، وكأننا لم نقم بثورة لتحصيل حقوق الغلابة».
احمد حرارة، احد ابرز وجوه الثورة الذي فقد عينيه الاثنين على أيدي قوات الشرطة، كان هناك ضمن المتظاهرين، قائلاً لـ«الأخبار» إنه يرفض أي حوار بين المعارضة ورئيس الجمهورية؛ «فالرجل سيكذب ويتراجع عن وعوده التي سيطلقها كما حنث بكل وعوده السابقة بدءاً من إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية (لصياغة الدستور الجديد على نحو يقلل من هيمنة القوى الاسلاميه عليها)». وطالب بإسقاط حكم الرئيس مرسي برمته كبديل من الحوار وتشكيل مجلس رئاسي مدني او تولي رئيس المحكمة الدستورية العليا رئاسة البلاد في فترة انتقالية لاحقة. أما حاتم تليمة، وهو عضو قيادي في حركة الاشتراكيين الثوريين، فقال لـ«الأخبار» ان جبهة القوى الثوريه تلتقي يومياً للتنسيق، وانها بصدد الإعداد لاحتجاجات متتالية.
المسيرة انتهت عند ميدان التحرير، حيث انضمت إلى مئات الناشطين المعتصمين هناك، الذين كانوا يواجهون منذ الصباح قنابل الغاز المسيل للدموع. إبراهيم، الشاب المرابط في الميدان منذ يومين، قال وهو يعالج عينيه من آثار قنابل الغاز: «نريد أن نسقط النظام وننهي الدولة التي يقودها الإخوان المسلمون».