كسبَت «جبهة النصرة» جولةً جديدةً من «حرب النفوذ» المستمرة في الخفاء بينها وبين «حركة أحرار الشام الإسلاميّة». قصب السبق حققته «النصرة» عبر إعلان مجموعة «وازنة» من قادة «جند الأقصى» انشقاقها عن الأخير، وانضمامها إلى صفوف الفرع السوري لـ«تنظيم القاعدة» دونَ الالتفات إلى محاولات «الأحرار» لاجتذاب المنشقّين. وتداولت مواقع «جهاديّة» أمس بياناً صادراً عن المجموعة المنشقّة، تشرح فيه أسباب وملابسات الخطوة وتقطعُ الشّكَّ باليقين بشأن حقيقة تصدّع «الجند» بعدما تداول القضيّةَ عددٌ من المُعرّفات «الجهاديّة» عبر موقع «تويتر» منذ مطلع الشهر الجاري. ووقّع بيان الانشقاق عددٌ من «الشرعيّين» البارزين في التنظيم (على رأسهم أبو تراب الليبي)، إضافةً إلى عدد من «الأمراء» العسكريّين مثل أبو حمزة اليمني. وجاءت الخطوة لتكرّس الانقسام الحاصل داخل «الجند» بين فريقين: أوّلهما «شرعي»، والثاني عسكري.
الخطوة تمنح «النصرة» رصيداً إضافيّاً في أوساط «المهاجرين»
وبرّر المنشقون الخطوةَ بأنّها تأتي «استجابة لأمر الله سبحانه بالاعتصام وتوحيد الصف وطاعةً لعلماء الأمة وعلماء الجهاد وتقويةً لصفّ المجاهدين»، وذلك نزولاً عند «إفتاء بعض العلماء الذين عُرضت عليهم القضيّة بوجوب الالتفاف حول اللجنة الشرعيّة وجمع كلمة المجاهدين». وترتبط أسباب الخلاف المُعلنة بثبوت تورّط بعض عناصر «جند الأقصى» في ارتكاب عدد من الاغتيالات التي طاولت عناصر تابعين لمجموعات مسلّحة أخرى في محافظة إدلب. ويُتّهم المتورّطون بموالاة تنظيم «داعش» سرّاً، ودأبَ كثيرٌ من التسريبات على تأكيد انقسام أهواء عناصر «جند الأقصى» ما بين «داعش»، و«النصرة». الأهميّة التي تحظى بها الخطوة لا تنبعُ من الانشقاق في حد ذاته، بقدر ما ترتبط بجنوح عددٍ كبير من مقاتلي التنظيم إلى تأييد المنشقّين، والانضمام بصحبتهم إلى «النصرة». ورفعت بعض المصادر «الجهادية» عدد المنضمين إلى أربعمئة عنصر، وهو عدد كبير بالقياس إلى عديد «الأقصى» الإجمالي، ما يعني أنّ الخطوة قد تُمهّد لزوال التنظيم عن خارطة التنظيمات «الجهاديّة» وتوزّع عناصره بين كيانات أخرى. ويحظى «داعش» بحظوظ وافرة في استقطاب عدد من العناصر، فيما يُرجّح أن تحذو أعداد أخرى حذو المنضمّين إلى «النصرة»، فيما تبدو حظوظ «أحرار الشام» أقلّ من نظيرَيه. وكان التسابق إلى استقطاب «جند الأقصى» قد استعرَ منذ تموز الماضي بين «داعش» و«أحرار الشّام» و«النّصرة» («الأخبار»، العدد 2650). ويُعد انضمام المجموعة المنشقّة إلى «النصرة» بمثابة عودة «الفرع» إلى «الأصل». ومن المعروف أنّ إنشاء «جند الأقصى» قد حصل على خلفيّة قرار مؤسّسه أبو عبد العزيز القطري (محمد يوسف عثمان العثامنة، فلسطيني الأصل، عراقيّ المولد) النأي بالنفس عن الصراع بين «النصرة» و«داعش» منذ أيلول 2013. ومن شأن الخطوة الأخيرة أن تمنحَ «النصرة» رصيداً إضافيّاً في أوساط «المهاجرين» على وجه الخصوص، وزخماً ميدانيّاً أكبر في ظلّ تحوّل تحالفها مع معظم مكوّنات «جيش الفتح» إلى تحالف «ضرورة». ويبدو أنّ النقطة المذكورة كانت كافيةً لـ«قيادة النصرة» كي تقبلَ «البيعة» مقرونةً بالموافقة على كل شروط «اللجنة الشرعيّة» وفقَ ما أكّده مصدرٌ من «النصرة» لـ«الأخبار». ومن المُرجّح أنّ أبرز تلك الشروط يتمحور حول رفض المنضمّين الجدد المشاركة مستقبلاً في أيّ معركة ضدّ تنظيم «داعش»، وذلك «التزاماً برغبة المؤسس أبو عبد العزيز القطري». ووفقاً لمصدر «جهادي» فقد تلقّى المُبايِعون تطميناتٍ مفادُها بأنّ «زمن الاقتتال مع تنظيم الدولة قد ولّى».