لم يكن تصريح رئيس الائتلاف الوطني المعارض معاذ الخطيب، عن قبوله بالحوار مع النظام، مفاجئاً لقلة من الدبلوماسيين المتابعين ما حصل في كواليس المعارضة السورية في باريس خلال الأيام الماضية، سواء على مستوى الائتلاف الوطني، أو على مستوى شخصيات معارضة مستقلة تقيم هناك. «الأخبار» حصلت على وقائع القصة كاملة، التي يأتي تصريح الخطيب كأحد تعبيرات سياقها العام، وكنتيجة لحالة السأم والتخبط داخل المعارضة، إضافة إلى استفحال حالة الصراعات بين أطيافها؛ إذ إنّ الأيام القليلة الماضية، بحقّ، هي أيام الأخبار السيئة لمعاذ الخطيب. أول صدمة جاءته من رعاة مؤتمر الكويت لدعم النازحين، وذلك بعد انكشاف أنّهم تقصدوا عدم دعوة الائتلاف للمشاركة. ثاني صدمة جاءت من خلال تولّد قناعة لديه بأنّ موقف رعاة مؤتمر الكويت منه لديه امتدادات مناصرة له داخل ائتلافه. وتتمثّل تحديداً بجناح المجلس الوطني الذي يوجد للإخوان ثقل فيه. وتأتت هذه القناعة للخطيب بمناسبة نقاش جرى عشية مؤتمر باريس، في إمكانية إعطاء زخم سياسي له، من طريق تشكيل حكومة بقيادته للمعارضة في الخارج، تتشكل من أطيافه، ومن مستقلين وشخصيات من معارضة الداخل إذا أمكن ذلك. لكن هذا النقاش أبرز موقفاً متصلباً لجناح المجلس الوطني، تمثل بمطالبته بإسناد الحقائب الأساسية في هذه الحكومة إليه. الصدمة الثالثة، وصلت إليه، وشاركته بها باريس، بدايات الشهر الماضي. وقوامها معلومات وردت لفرنسا عن أنّ هناك جهات تٌعدّ لاجتماع لجزء من المعارضة السورية في جنيف يوم 28 كانون الثاني الجاري، بزعامة هيثم المناع. ورأت فرنسا أنّ هدف هذا الاجتماع هو إحباط مسعاها الطامح إلى جعل المجتمع الدولي يقرّ بالتدريج بوحدانية تمثيل الائتلاف الوطني للمعارضة السورية، وكخطوة لاحقة لكل الشعب السوري. وبحسب المعلومات، تقصد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس تحديد نفس هذا اليوم (28 كانون الثاني) لعقد اجتماع باريس لدعم الائتلاف، بغية إحباط اجتماع جنيف، وسحب الأضواء الإعلامية عنه.
وبمواجهة كل هذه التطورات، بدأت تتعاظم لدى الخطيب، هواجس إمكانية أن ينفرط عقد ائتلافه الوطني جراء تعاضد مجموعة مصالح ضده، داخل الائتلاف ممثلة بالإخوان الساعين إلى إرساء سيطرة غير مرئية عليه، ودولياً نتيجة عدم قناعة واشنطن بقدراته التمثيلية في الداخل السوري، وإقليمياً نتيجة تداخل المصالح بين الإخوان المسلمين وبعض دول أصدقاء الشعب السوري.
والواقع أن بيان الخطيب ــ المفاجأة ــ الذي أعلن فيه رغبته بالحوار مع النظام السوري، ليس منفصلاً، في خلفيات توقيته، عن كل سياق هذه التباينات الآنفة. فهو من ناحية، بحسب المصادر، أراد أن يرد الصفعة لرعاة مؤتمر الكويت الذين استبعدوه، عبر إرباك أطراف بداخله تتصرّف على أساس أنها تملك قرار المعارضة السياسي، وأراد أيضاً خلط الأوراق فوق مسرح الحدث السوري، وشدّ الأضواء الإعلامية والعالمية إليه، كطرف أساسي في العملية السياسية.
بناءً عليه، يبقى سؤال يطرح نفسه، عمّا إذا كان طرحه عن رغبته بمفاوضة النظام هو مجرد مناورة تكتيكية لها صلة بالصراع داخل المعارضة السورية وداخل دول أصدقاء الشعب السوري، أو أنّه فعلاً يحمل تغيّراً استراتيجياً في موقفه.
ثمّة معطيات تشير، أيضاً، إلى إمكانية أنّ الخطيب قرّر فعلاً اجراء تغيير على موقفه، وذلك بعد حصول تطورات عدة بيّنت أنّه إن لم يحجز لنفسه مقعداً في الحوار مع النظام، فإنّه لن يكون له ولائتلافه مكان سياسي في الغد القريب.
وتروي مصادر دبلوماسية مطلعة لـ«الأخبار» ما تسميه قصة «تطورات الأسبوعين الماضيين»، التي تسارعت في كواليس غير عاصمة عالمية، والتي ربما دفعت الخطيب (وربما بتشجيع من باريس للإدلاء ببيانه – المفاجأة)، على النحو الآتي: بدأت إرهاصات تغيّر مزاج قسم كبير من المعارضة من الاستمرار في استراتيجية إدارة الظهر للنظام باتجاه جسّ نبض فكرة الحوار معه، قبل نحو ثلاثة أسابيع. وإن أول شخص وصلت إليه هذه الإشارات هو الأخضر الإبراهيمي، الذي بادر إلى استثمارها من خلال إدارة عملية تفاوض مع النظام، عرض فيه أن يعين الرئيس بشار الأسد شخصية تمثله لبحث العملية الانتقالية. لكن هذه المفاوضات وصلت إلى حائط مسدود، نظراً إلى أنّ المعارضة كانت تفضل أن يقوم بهذه المهمة نائب الرئيس فاروق الشرع، فيما سمّى الأسد وزير المصالحة الوطنية علي حيدر. ورأى الإبراهيمي أنّ اختيار الأسد لحيدر هو بمثابة دليل على أنّه لا يريد السير جدياً بهذا الطريق.
لكن ردود الفعل داخل الكواليس الدولية المطلعة على هذا المسار الذي بدأه الإبراهيمي لم تنته عند هذا الحد؛ إذ إنّ وزير الخارجية الأميركي الجديد، جون كيري، في جزء من مطالعته غير المنشورة التي تلاها بمناسبة مثوله أمام لجنة الخارجية في الكونغرس الأميركي، قال كلاماً رأت فيه أجواء في المعارضة أنّه تشجيع لها بالاستمرار مع الإبراهيمي في محاولة البحث عن مزاج يؤدي إلى بدء حوار مع النظام. مفاد كلام كيري هو أنّ الأسد لن يبقى طويلاً رئيساً لسوريا. ومقابل ذلك، عرض السيناريو التي تريده واشنطن، فقال «إنّ هدف الإدارة الأميركية هو تحقيق نوع من الانتقال السلمي للسلطة في سوريا». وأضاف في إشارة نقد للمعارضة: «يبدو أنّ هناك نوعاً من التشدّد من المعارضة السورية للتفاوض بشأن مغادرة الأسد، رغم أن لافروف أبلغني بإمكان مغادرة الأسد، لكن وفق توقيت مناسب».
وبحسب هذه المصادر، فإنّ الخطيب يشعر بأنّه لو فوّت الائتلاف عليه التقاط إشارة كيري فإن قوة أخرى من المعارضة ستبادر إلى التقاطها، ولا سيّما أنّ المعلومات تؤكد أن المعارض ميشال كيلو التقى في باريس الإبراهيمي قبل أيام، وأبلغه أنه مستاء من فريقي الأزمة في سوريا، وأن لديه اقتراحاً للحل ضمن نطاق الحل الذي يقوم على العملية السلمية الانتقالية، وهي تتألف من الخطوات الآتية:
أولاً – أن يصدر مجلس الأمن بياناً يدعم الخيار الديموقراطي في سوريا. ثانياً – يجري العمل إثر ذلك على توسيع الائتلاف، بحيث يضمّ مكونات علمانية (وهذا ما يشترطه الأميركيون لمدّ الائتلاف بالمساعدة السياسية والمالية).
والسؤال المعلّق، بانتظار إجابة عنه في الأيام القليلة المقبلة، هو: عمّ سينجلي الغبار الذي أثاره تصريح الخطيب؟ هل ينجلي عن تكشف الخلفية التكتيكية الكامنة وراء إعلانه، أم سيكون لها خلفية على صلة بكلام كيري وباقتراح كيلو، وبتوجّه حقيقي نحو بدء الحوار الفعلي؟