تونس | قدّم المستشار السياسي لرئيس الحكومة التونسية، لطفي زيتون، أمس، استقالته من الحكومة احتجاجاً على سياسة «المحاصصة»، كما وصفها في نص استقالته. استقالة زيتون كانت مفاجئة جداً في توقيتها، وخصوصاً أنّها وردت قبل ساعات من اجتماع مجلس شورى حركة «النهضة»، وهي السلطة العليا في الحركة، معترضاً من خلالها على ما اعتبره تنازلات مبالغاً فيها من الحركة لحلفائها. ويعتبر زيتون من بين صقور «النهضة»، وأكثر المقربين من زعيمها الشيخ راشد الغنوشي، بحيث كان مديراً لمكتبه في لندن، كما ينحدران من نفس الجهة، قابس. ورأى مراقبون أنّ استقالة زيتون تكشف عن خلافات عميقة داخل الحركة، وأنّ هذه الخلافات بدأت تظهر للعلن بعدما نجحت الحركة في تطويقها طيلة أكثر من عام في الحكم. استقالة زيتون جاءت على خلفية المفاوضات التي تعقدها «النهضة» منذ حوالي عشرة أشهر من أجل توسيع الائتلاف الحاكم، لكنها فشلت في إقناع شركاء جدد، في نفس الوقت الذي نجح فيه حليفاها في فرض شروطهما عليها، وخصوصاً تحييد وزارتي العدل والخارجية ومنحهما لشخصيتين مستقلتين، وهو ما اعتبره عدد من قيادات الحركة تنازلاً لا مبرر له، دافعين إلى فك الارتباط مع حليفيها «المؤتمر من أجل الجمهورية» و«التكتل الديموقراطي من أجل العمل والحريات». وقد ذهبت بعض التسريبات الى دفع بعض أعضاء مجلس الشورى الى المطالبة بالانسحاب من الترويكا.
دعوات الانسحاب من الترويكا جاءت كردّ فعل على الاجتماع الثلاثي، الذي جرى أول من أمس، بين الثلاثي الجديد «التكتل» و«المؤتمر» و«التحالف الديموقراطي» الحزب الجديد، الذي يجمع منشقين عن الحزب «الجمهوري» وشخصيات مستقلة وإسلاميين وسطيين، والذي ضم أساساً الرئيس المؤقت منصف المرزوقي ومحمد الحامدي المنسق العام لحزب «التحالف» ومصطفى بن جعفر، رئيس المجلس التأسيسي، والأمين العام لحزب «التكتل». ورغم أن الحامدي قد نفى هذا اللقاء، وقال إنه لا علم له به، فان كل المؤشرات تدل على تقارب كبير بين الأحزاب الثلاثة، وهو ما لم ينفه الحامدي كما لم ينف تنسيق المواقف مع حزبي المؤتمر والتكتل.
وتلتقي الأحزاب الثلاثة في طرحها لنفس الشروط، وهي تعيين شخصيتين مستقلتين لوزارتي العدل والخارجية وإحداث كتابتي دولة للداخلية، تُعنى الأولى بالأمن والثانية بالشؤون المحلية، في الوقت الذي يضيف فيه حزب المؤتمر شرطه القديم في إقالة وزير الداخلية صهر الشيخ راشد الغنوشي.
أمام هذه الوضعية، التي تواجهها «النهضة»، يرى عدد من قياداتها أنه لا خيار الا الهروب الى الأمام ومواجهة الاستحقاقات السياسية دون حلفاء من خارج العائلة الإسلامية، طالما أن الحركة قادرة على الحصول على عشرين صوتاً إضافياً داخل المجلس التأسيسي لتضمن الغالبية المطلقة، وبالتالي التخلص من ابتزاز حزبي «المؤتمر» و«التكتل»، على حد تعبير بعض القياديين في الحركة.
اعلان «النهضة» عن فك الارتباط يبقى وارداً في ردٍّ على الترويكا الجديدة التي شكّلها حليفاها مع حزب «التحالف الديموقراطي»، الذي وعدته «النهضة» بأربع وزارات، لكنها رأت في خطوته مع حليفيها كأنها «ضربة في الظهر». واذا فكت «النهضة» ارتباطها مع الحليفين، فان هذا يعني خروج مصطفى بن جعفر من رئاسة المجلس الوطني التأسيسي والمرزوقي من رئاسة الجمهورية، وهو ما يعني رسم مشهد سياسي جديد بعد عام من الائتلاف الذي تتمتع فيه «النهضة» بالكلمة الاولى.
فكيف ستنتهي التحالفات في تونس؟ وهل بدأ التحالف الحاكم يدفع ثمن ظهور ائتلاف المعارضة، الذي تفيد كل المؤشرات بأنه سيكون له حضور كبير في الشارع وفي الانتخابات القادمة؟