بوادر انفراج محتملة حملها مؤتمر ميونيخ على صعيد الأزمة السورية. لقاءات ثنائية متعدّدة فتحت أبواب موسكو وطهران لرئيس «الائتلاف» أحمد معاذ الخطيب. وبعد لقائه بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، للمرة الأولى، قال الخطيب إنّ «لدى روسيا رؤية معيّنة، لكننا نرحب بالمفاوضات لتخفيف الأزمة ويجب مناقشة الكثير من التفاصيل». في المقابل، جدّد لافروف، بعد اللقاء، القول إنّ مطالبة المعارضة والدول الغربية برحيل الرئيس بشار الأسد تعرقل أيّ تقدم باتجاه السلام في سوريا. وفي بادرة انفتاح، أعلن لافروف أنّه يرغب في إجراء اتصالات منتظمة مع المعارضة السورية، مرحّباً باستعداد الخطيب البدء بحوار مع ممثلين للنظام السوري، ومعتبراً «أنّها خطوة بالغة الأهمية إذا أخذنا في الاعتبار أنّ الائتلاف تأسّس على رفض إجراء حوار مع النظام». وأضاف «أعتقد أنّ الواقعية تسود».
وبعد اجتماع استمر 45 دقيقة مع وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، قال الخطيب لوكالة «رويترز» إنّه «اتفقنا على ضرورة إيجاد حلّ لإنهاء معاناة الشعب السوري». صالحي رأى أنّ محادثاته مع الخطيب قد تسهم في التوصل إلى حلّ للصراع في سوريا. وأضاف أن تصريحات الخطيب خلال المحادثات، تمثّل «خطوة جيدة إلى الأمام». وقال «إذا كنا نريد وقف إراقة الدماء، فإننا لا يمكن أن نستمر في تبادل إلقاء اللوم»، مضيفاً أنّه مستعد لإجراء محادثات مرة أخرى مع المعارضة، ويريد أن يكون «جزءاً من الحلّ». كذلك التقى صالحي الأخضر الإبراهيمي.
والتقى الخطيب بشكل منفصل، أيضاً، بكلّ من نائب الرئيس الأميركي جو بايدن ومبعوث الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي. وقال بايدن إنّه حثّ الخطيب «على عزل العناصر المتطرفة داخل المعارضة والانفتاح على نطاق عريض من الطوائف داخل سوريا، بما في ذلك العلويون والمسيحيون والأكراد». وأضاف أنّ البيت الأبيض «على اقتناع بأنّ الرئيس الأسد طاغية يستميت في التشبث بالسلطة ولم يعد مناسباً لقيادة الشعب السوري وعليه أن يرحل».
وقال الخطيب إنّ الغرض من اجتماعاته هو «بحث إيجاد سبيل لإزاحة النظام بأقل قدر ممكن من إراقة الدماء وإزهاق الأرواح». وقال مصدر دبلوماسي، طلب عدم نشر اسمه، إنّ «المحادثات بشأن سوريا تتزايد والإيرانيون يشاركون. دعونا نرَ ما ستؤول إليه».
واجتمع لافروف، أيضاً، بنائب الرئيس الأميركي جو بايدن. وقبيل الاجتماع، أقرّ الرجلان بأنّ «خلافات كبرى» لا تزال قائمة بين البلدين بشأن شروط وضع حدّ للنزاع في سوريا. كذلك التقى لافروف بالموفد العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي، وذكرت وزارة الخارجية الروسية أنّ الجانبين ناقشا الوضع في سوريا وآفاق التسوية السياسية الدبلوماسية له. وأكد الجانب الروسي دعمه لجهود المبعوث، بما في ذلك ما يخص الدبلوماسية المكوكية التي يقوم بها. لكن الإبراهيمي كان قد أكّد أول من أمس عدم وجود أي حلّ في الأفق حالياً، معتبراً أنّ «مستويات الرعب غير المسبوقة» تؤدي إلى «تدمير» سوريا.
وبعد جولة المباحثات يوم السبت، طلب «الائتلاف» المعارض، أمس، من موسكو أن تضغط على نظام الرئيس بشار الأسد لوضع حدّ للنزاع في البلاد. وقال المتحدث باسم الائتلاف، وليد البني، إنّ «الكرة في الملعب الروسي إذا كان الاتحاد الروسي ينظر إلى مصلحته الحقيقية في المستقبل في المنطقة». وأضاف «نحن نعتقد أنّ عليه أن ينحاز إلى جانب المطالب العادلة للشعب السوري، وليس إلى جانب من يقتل الشعب السوري».
وأشار إلى أنّ «الحكومة الروسية عبّرت عمّا كانت تعبّر عنه دائماً، إلّا أنّها قالت إنّها منفتحة على حلّ يحقق طموحات الشعب السوري»، لافتاً إلى أنّه «ليس هناك اختراق في الموقف الروسي». واعتبر البني ذلك «خطوة إيجابية بكل تأكيد»، مشيراً إلى أنّ «الغالبية في الائتلاف يساندون رئيسه».
في السياق، وفي ما يعدّ ملاقاة لتصريحات أحمد الخطيب، رأى وزير المصالحة الوطنية السوري علي حيدر، في حديث إلى قناة «روسيا اليوم»، أنّ أبواب الحوار مفتوحة لجميع الراغبين فيه بدون استثناء. وأشار إلى أنّ للحوار أسساً، وعلى وجه التحديد نبذ العنف، مضيفاً أنّ ذلك ليس شرطاً، بل عامل إنجاح الحوار.
في موازاة ذلك، وبعد «تركّز» الملف السوري بين القطبين الأميركي والروسي، رأى وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو أنّ حواراً بين النظام السوري والمعارضة لن يتيح إيجاد حلّ للنزاع. وتساءل «لو حصلت انتخابات غداً في ظلّ رئاسة الأسد، من يمكنه أن يضمن أن قادة المعارضة سيتمكنون من الترشح؟». وقال إنّ النظام السوري «يدمّر بلاده، الشعب يموت والمجموعة الدولية تتفرج».
في غضون ذلك، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أنّ البيت الأبيض رفض خطة وضعتها الصيف الماضي وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية ديفيد بترايوس، في ذلك الوقت، لتسليح مقاتلي المعارضة السورية وتدريبهم.
وقالت الصحيفة، نقلاً عن مسؤولين في إدارة الرئيس باراك أوباما، إنّ البيت الأبيض رفض اقتراح كلينتون _ باتريوس بسبب مخاوف من احتمال توريط الولايات المتحدة في الصراع السوري، وأن تسقط الأسلحة في أيد خطأ. ودعت الخطة إلى تقييم المقاتلين، وتسليح مجموعة منهم بمساعدة بعض الدول المجاورة.
من ناحية أخرى، طالب السيناتور الأميركي جون ماكين «بتدمير سلاح الجو السوري»، معتبراً أنّ «من غير الممكن مواصلة متابعة الحرب الأهلية في سوريا من دون تحريك ساكن». ولفت، في كلمة له أمام مؤتمر ميونيخ، إلى أنّ «من بين الخيارات المتوافرة على هذا الصعيد ضرب الطائرات السورية المحلقة في الشمال السوري بصواريخ الباتريوت التابعة لحلف شمالي الأطلسي في جنوب تركيا، أو استخدام صواريخ «كروز» لهذا الغرض».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، أ ب)