حفلت زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لمصر بالعديد من المواقف المُزعجة التي تؤكد استمرار الحساسية في العلاقات بين البلدين على خلفية مذهبية وبسبب موقف طهران الداعم لنظام الرئيس بشار الأسد في سوريا. ففيما كان متوقعاً أن تشكّل أول زيارة من نوعها لرئيس إيراني الى عاصمة الفاطميين حدثاً من شأنه تعزيز خرق جدار القطيعة التاريخية بين البلدين، برزت معطيات تشير الى حجم التباين بينهما على مستويات عديدة. ففيما كان الرئيس الإيراني يؤكد، قبيل انطلاقه في مطار طهران، أن تعزيز العلاقات الإيرانية المصرية «من شأنه أن يغيّر المعادلات لصالح دول العالم»، وقف شيخ الأزهر في مصر، أحمد الطيب، في موقع التصدي لـ«الخطر الشيعي»، مطالباً نجاد بـ«عدم التدخل في شؤون دول الخليج»، ومؤكداً «رفضه المد الشيعي في بلاد أهل السنّة والجماعة».
لكن الرئيس الإيراني أكد سعادته بوجوده في مقر الأزهر في القاهرة، وقال في المؤتمر الصحافي الذي عقد بعد لقائه الطيب، «نحمد الله أنني زرت مشيخة الأزهر والتقيت شيخها». وأضاف إن «مصر والمصريين لهم مكانة كبيرة فى قلوب الإيرانيين... أتمنى أن تكون هذه الزيارة فاتحة للعلاقات بين مصر وإيران».
نجاد، الذي لم يستقبله الطيب على مدخل مشيخة الأزهر كما هي العادة (حسب جريدة اليوم السابع)، أشار الى المكانة التي تتمتع بها إيران ومصر في العالم، مؤكداً أن «تعزيز العلاقات الإيرانية المصرية والتعاون بينهما على المستوى الإقليمي والدولي من شأنه أن يغيّر المعادلات لصالح دول العالم».
من جهته، أعلن الأزهر في بيان بعيد لقاء بين الطيب ونجاد، أن الامام الأكبر «طالب الرئيس الإيراني باحترام البحرين كدولة عربية شقيقة، وعدم التدخل في شؤون دول الخليج». وأكد أنه «يرفض المد الشيعي في بلاد أهل السنّة والجماعة» و«طالب بوقف النزف الدموي في سوريا الشقيقة والخروج بها إلى بر الأمان». وأضاف البيان إن الإمام الأكبر طالب نجاد كذلك بـ«ضرورة العمل على إعطاء أهل السنّة والجماعة في إيران، وبخاصة في إقليم الأحواز، حقوقهم الكاملة كمواطنين». وطالب الطيب نجاد بـ«استصدار فتاوى من المراجع الدينية تُجرّم وتُحرّم سبّ (زوجة النبي محمد) السيدة عائشة، رضي الله عنها، وأبي بكر وعمر وعثمان والبخاري حتى يمكن لمسيرة التفاهم أن تنطلق».
واستعانت قوات الأمن المصرية بقوات مكافحة الشغب والأمن المركزي داخل الأزهر بعد احتشاد العشرات من الإسلاميين في محيط المشيخة لرفض الزيارة بسبب دعم نجاد لنظام بشار الأسد. حادثة تكررت أمام مسجد الحسين، حيث أفادت وكالة الأناضول بأن شاباً سورياً حاول الاعتداء جسدياً على الرئيس الإيراني أثناء خروجه من المسجد، غير أن الأمن المصري حال دون ذلك وألقى القبض عليه.
في المقابل، أكد المتحدث الرسمي باسم الجبهة السلفية، هشام كمال، أن الرئيس الإيراني يسعى من خلال زيارته لشيخ الأزهر ومؤسسة الأزهر الى «وضع قدم للشيعة في مصر»، كاشفاً عن سعي النظام الإيراني الى اختراق الأزهر وفتح فرع لجامعة الأزهر في طهران.
وبدأ نجاد لقاءاته في العاصمة المصرية، التي يزورها للمشاركة في القمة الإسلامية، لدى وصوله إلى مطار القاهرة، حيث اجتمع مع نظيره المصري محمد مرسي، الذي كان في استقباله في المطار. وذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، أن مباحثات مرسي ونجاد في استراحة الرئاسة «تناولت آخر المستجدات على الساحة الإقليمية وسبل حل الأزمة السورية لوقف نزف دماء الشعب السوري من دون اللجوء إلى التدخل العسكري».
من جهته، سعى وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو، إلى طمأنة دول الخليج بأن التقارب بين القاهرة وطهران لن يتم على حساب أمن هذه البلدان. وقال، على هامش الاجتماع التحضيري لقمّة منظمة التعاون الإسلامي، إن «علاقات مصر بأي دولة لن تكون أبداً على حساب أمن دول أخرى». وأضاف إن «أمن دول الخليج هو أمن مصر».
بدوره، قال وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، لوكالة «رويترز»، «هناك تحسّن تدريجي، وعلينا أن نتحلّى بقدر من الصبر. أنا متفائل جداً بشأن توسيع العلاقات الثنائية» مع مصر، مشيراً الى إمكان تعزيز العلاقات في «التجارة والاقتصاد».
من جانبه، قال مساعد مستشار وزير الخارجية الإيراني للشؤون الدولية عبد الهادي محمد لـ«رويترز»، إن «أمن مصر هو أمن إيران، وأمن إيران هو أمن مصر. نحن في خندق واحد، ونحن بمشيئة الله نبذل الجهود لتوحيد صفوفنا. أما بالنسبة إلى المشورة الأمنية فهذه قضية تخصّ السلطات العليا ولا تخصّني أنا».
ونشرت وكالة الأناضول التركية، برنامج زيارة نجاد لمصر، نقلاً عن مصدر دبلوماسي في السفارة الإيرانية، وتضمن البرنامج في يومه الأول زيارة مقامَي الحسين والسيدة زينب، ولقاء مع رؤساء تحرير عشرين وسيلة إعلام مصرية. أما اليوم فيزور الرئيس الإيراني الأهرامات وأبو الهول، ويشارك في افتتاح القمة الإسلامية، وبعد ذلك يشارك في مأدبة غداء يقيمها الرئيس مرسي الذي يلتقيه بعد ذلك في اجتماع ثنائي. ويشارك نجاد يوم غد في احتفالات ذكرى انتصار الثورة الإيرانية في مقر السفارة الإيرانية في مصر، ثم يجري لقاءً مع القناة الأولى في التلفزيون المصري. ويغادر بعد غد الجمعة عائداً الى طهران.
وتعدّ زيارة نجاد هي الأولى من نوعها التي يقوم بها رئيس إيراني إلى مصر منذ 3 عقود، حيث توترت العلاقات بين البلدين بعد توقيع مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل وقيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، ثم قيام إيران بإطلاق اسم خالد الاسلامبولي الذي اغتال الرئيس المصري أنور السادات، على أحد أشهر شوارعها. وخلال الأشهر القليلة الماضية، كانت بارزة محاولات التقارب بين مصر وإيران، إلا أن عقبات عدة لا تزال تقف في طريق تحقيق هذا الأمر جديّاً، أبرزها الخلافات الطائفيّة.
(مهر، رويترز، أ ف ب، الأخبار)