الأخبار تنقل خبر اغتيال المعارض التونسي شكري بلعيد. الاتهامات توجه إلى حزب النهضة الإسلامي بالوقوف وراء العملية. في نفس اليوم تقريباً يخرج داعية سلفي مصري يبيح قتل المعارضين للرئيس لأنهم ينشرون الفوضى والعنف ويحرضون عليهما. ولأن الغالبية في مصر ترى أن تونس تسبق مصر دائماً بخطوة، بداية من ثورتها حتى الآن، أيقن كثيرون أن فتوى القتل ما هي إلا مقدمة لعمليات اغتيال قد ينفذها إسلاميون ضد المعارضين للرئيس، بينما هناك فريق آخر لا يزال يرى أن مصر ليست كتونس.
الحكاية بدأت على فضائية الحافظ الدينية، عندما ساق الداعية محمود شعبان عدداً من الاحاديث النبوية التي تطالب بضرب عنق من يثير الفتن ويدعوى إلى الفوضى والتخريب. الرجل رأى، في الشريط المصور المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، أن جبهة الانقاذ المعارضة للرئيس تدعو لحرق البلاد، وخص بالاسم حمدين صباحي مؤسس التيار الشعبي، والقيادي محمد البرادعي مؤسس حزب الدستور. ودار حديث طويل بين هذا الداعية ومقدم برنامج في الميزان على القناة الدينية، حول من يقوم بتنفيذ هذه الفتوى أهي الدولة أم أي شخص آخر.
وبعد الضجة التي تسببت بها تلك التصريحات، نفى شعبان في تصريحات نقلتها مجموعة من المواقع الدينية والإخبارية أن يكون قد أصدر فتوى بقتل المعارضين للرئيس، مشيراً إلى أن الشريط الذي بث على مواقع الإنترنت والفضائيات أخضع لعملية «قص وإلصاق»، وأنه مفبرك من جهات غير معلومة تريد تشويه صورة الإسلاميين أمام الرأي العام. غير أن الرجل عاد وأكد أنه قال إن «من حق الحاكم قتل رموز المعارضة الذين ينازعونه في الحكم، ويسعون لإسقاطه وإسقاط شرعيته».
تصريحات شعبان زادت الطين بلة، فهو مُصر على أن من حق الحاكم أن يقتل معارضيه، ما دفع مجمع البحوث الإسلامية لاصدر بيان أكد فيه رفضه «الفهم الخاطئ واستعمال النصوص فى غير مواضعها، وفهمها فهما غير صحيح». وأكد على أن مثل هذه الآراء تفتح أبواب الفتنة وفوضى القتل والدماء، وأن «القاتل والمتسبب في القتل سواء بالتحريض أو بالرأي شريكان فى الإثم والعقاب، فى الدنيا والآخِرة».
وزارة الداخلية بدورها أرسلت حماية أمنية إلى منزل محمد البرادعي، بينما قالت مصادر مقربة من صباحي إنه رفض وجود تلك الحماية حول منزله لأنه «واحد من الناس البسيطة في البلد ومش محتاج التأمين ده».
بدوره، أصدر رئيس مجلس الوزراء هشام قنديل، بياناً وصف فيه الفتوى بالمتطرفة، وأعلن أن مجلس الوزراء يدرس اتخاذ اجراءات قانونية ضد كل من يصدر أو يروج لدعاوى أو فتاوى تحض على العنف. أما النائب العام المستشار طلعت إبراهيم، فأحال بلاغ قدمه أحد المحامين يتهم فيه شعبان بالتحريض على القتل على نيابة أمن الدولة للتحقيق فيه.
أما المنظمات الحقوقية، فأعربت جميعها عن إدانتها لتلك الفتوى، مشيرة إلى أن الأمر «يعد مقدمة لإقصاء كافة القوى السياسية المعارضة لتيار الإسلام السياسي من الساحة تماماً». وقال رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، حافظ أبو سعده، إن ظهور دعوى لإهدار دم أعضاء جبهة الإنقاذ «مقدمة من تيارات الإسلام السياسي لتصفية معارضيهم والانفراد بمقاليد السلطة في البلاد».
من جهتها أصدرت جبهة الإنقاذ الوطني بياناً تنعى فيه شكري بلعيد، وتدين عملية اغتياله، وتؤكد أن «اغتيال بلعيد بأيدي ميلشيات إجرامية مسلحة تنتمي إلى جماعات الاتجار السياسي بالدين يدق ناقوس الخطر من تونس إلى القاهرة». وشددت على أن «إرهاب المعارضة وإطلاق الفتاوى بإهدار دم قياداتها، وقتل المعارضين وتصفيتهم بالرصاص في مصر وتونس لن يوقف مسيرة الثورة من أجل تحقيق أهدافها».
لكن هل ما حدث من عمليات قتل خلال الأيام الماضية بما فيه قتل «أدمن» صفحات معارضة للإسلاميين بصفة عامة والإخوان بصفة خاصة، يؤكد على أن مصر فعلاً على بعد خطوة من عمليات الاغتيال المنظم للمعارضين لنظام الحكم؟
خالد عبد الحميد، عضو التحالف الشعبي الاشتراكي، يشكك في مسألة أن يكون مقتل اثنين او ثلاثة من أدمن الصفحات المعارضة للإخوان في الفترة الأخيرة استهدافاً، ويؤكد على أن عملية اغتيال بلعيد في تونس «لن تخيفنا هنا في مصر». وهو نفس التوجه الذي يذهب إليه الصحافي حسام الهندي، الذي يغطي كل التظاهرات الاحتجاجية قبل الثورة وبعدها. ويرى الهندي أن هناك فرقاً بين تونس ومصر، موضحاً أن «من قتل في مصر لم يكن استهدافه مقصوداً وكان في حوادث عامة وليست جنائية خلال احداث عامة وتظاهرات لا اغتيالات». ولفت إلى أنه بالنظر إلى من قتلوا نجد أنهم «ليسوا معروفين بدرجة كافية»، مضيفاً إن «النظام في مصر أو في تونس نظام قمعي، ولن يقتل الإخوان بأيديهم لكنهم سيستخدمون السلفيين في ذلك، والجماعات السلفية». وأوضح أن هؤلاء لا يعدون الشباب الصغير مهماً أو «ليه لازمة، وكل تركيزهم على الشخصيات العامة والمعروفة»، لافتا إلى أنه من الممكن أن تدخل مصر إلى عصر الاغتيالات إذا زادت نوعية الفتاوى التي تجيز قتل المعارضين.
أما عصام شعبان عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المصري، فأوضح أن أي دولة تستخدم أسلوبين في مواجهة مطالب شعبها؛ أولاً القوة الناعمة وهي قوة الاعلام واستخدامه في التضليل، والأسلوب الثاني هو استخدام قوة البوليس والجيش. ورأى أن السلطة القائمة الآن تستخدم الاثنين معاً، وتحاول التضييق على كل من يكشف تصرفاتها ويفضح ممارستها أو يمارس نوعاً من التنوير. وتوقع شعبان مواجهات قادمة مع تيارات اليمين الديني، ولا سيما «اذا تمسكت السلطة بنفس نهجها الفاشل اقتصادياً وسياساً، فإنها لن تملك سوى القمع والتهديد كأداة لإسكات صوت المصريين الذين لن يخدرهم الدين أو تخيفهم الداخلية».