طرح الهجوم الاسرائيلي الأخير، في الاراضي السورية، مجموعة من التساؤلات حول الاسباب التي دفعت صانع القرار في تل ابيب الى اتخاذ القرار في هذا التوقيت بالذات، وخصوصاً أن الاسرائيلي يؤكد أنها استهدفت منظومة صواريخ SA-17، كانت في طريقها الى حزب الله. في حين أن مسار تطور قدرات الحزب الصاروخية حقَّقت قفزات هائلة طوال السنوات التي تلت حرب العام 2006، أطلق خلالها القادة الاسرائيليون الكثير من التهديدات ورسموا العديد من الخطوط الحمراء التي تم تجاوزها.
في مقابل هذه التساؤلات، قدَّم اللواء عاموس يادلين، مطالعة شرح فيها منظومة الاعتبارات التي أنضجت القرار الاسرائيلي للهجوم. وتكمن أهمية المقاربة التي قدمها (يادلين) لكونه رئيساً سابقاً للاستخبارات العسكرية فضلاً عن كونه الرئيس الحالي لمعهد ابحاث الامن القومي، ما يضفي على قراءته بعداً واقعياً يتجاوز التحليل النظري ويقترب من حقيقة ما جرى داخل اروقة صناعة القرار في تل ابيب.
اعتبر يادلين أن استهداف منظومات صواريخ SA-17 طرح عدة مشاكل هامة على القيادة الاسرائيلية، سواء من الناحية المبدئية المتعلقة بنظرية الامن القومي الاسرائيلي، او من الناحية الموضعية المتصلة بتقدير الوضع ازاء ما يجري في سوريا ولبنان في هذه المرحلة. مشدداً على أن الازمة تكمن في السؤال التالي: هل ومتى ينبغي المبادرة الى عمل وقائي في مواجهة تهديد نوعي في طور التشكل، يُعرِّض مصالح أمنية هامة لدولة اسرائيل للخطر؟
وفيما أكد يادلين أن الهجوم الاسرائيلي كان يستند الى معلومات استخبارية ناجعة وقدرة عملياتية مثيرة للانطباع، تمكنت بشكل واضح من الحؤول دون نقل قدرات متطورة، كان يمكن أن تشكل تحدياً للتفوق الجوي الاسرائيلي في أي مواجهة مستقبلية في لبنان، شدد ايضاً على أن صانع القرار في تل ابيب، استند الى تقدير يتعلق بردة فعل سوريا أو حزب الله، وخلص الى ان نظام الرئيس الاسد لم يكن لديه مصلحة للرد فوراً وبقوة على الهجوم، والسبب في ذلك يعود، بحسب يادلين ايضاً، الى انه يخوض معركة وجود وفي ذروة حرب اهلية داخلية، تم خلالها تقويض قدراته على مواجهة اسرائيل.
ايضا، رأى يادلين أن من الاسباب التي حالت دون اتخاذ الرئيس الاسد قراراً بالرد الفوري، هو حرصه على قطع الطريق على تدخل دولي يغير توازن القوى في المعركة الدائرة في الداخل السوري، وبالتالي لم يكن من مصلحته فتح جبهة خارجية في مواجهة طرف قوي جداً مثل اسرائيل..
واضاف يادلين عاملاً آخر، الى منظومة اعتبارات الرئيس الاسد، يتمثل بحرص الأخير ايضاً على عدم الاضرار بعلاقاته مع موسكو، باعتبار ان نقل سلاح روسي الى حزب الله ليس امراً مشروعاً ويشكل خرقاً للتعهدات التي قدمها الى روسيا التي تدافع عنه في مجلس الامن. ولفت الى أن هدف الاعلان السوري عن أن الهجوم استهدف معهد البحوث وليس قافلة سلاح، هو عدم تعريض تحالفه مع روسيا للخطر.
اما لجهة عدم رد حزب الله، فرأى يادلين ايضاً، ان السبب يعود الى اعتبارات داخلية لبنانية، خاصة وأنه لم يكن لديه شرعية للرد على هذه العملية، باعتبار ان الهجوم حصل على اراض سورية، والشعب اللبناني لن يوافق على عملية تؤدي الى توريط لبنان في القتال، من أجل المحافظة على مصالحة اجنبية سورية. أضف الى تأكيده على أن سلاح حزب الله لن يتم استخدامه إلا في حال هاجمت اسرائيل البرنامج النووي الايراني. وخلص يادلين الى انه بسبب هذه الاعتبارات كانت شرعية رد حزب الله منخفضة جداً سواء في داخل لبنان او خارجه.
بالرغم مما تقدم، رأى يادلين أن مسار وتطورات هذه القضية لم ينته عند هذا الحد، داعياً القيادة الاسرائيلية الى ضرورة مواصلة متابعة مسألتين أساسيتين: اولا أن سوريا وحزب الله لم ينفيا حصول الغارة الاسرائيلية، رغم ان تل ابيب لم تعلن مسؤوليتها عنها.. الامر الذي يؤكد على أن عدم الرد الفوري وعدم التصعيد وصولاً الى المواجهة، لا ينفي امكانية تصفية الحساب والرد في وقت لاحق، وفي ساحات اخرى، وبدون الاعلان عن مسؤوليتهما ايضا.
ايضا، أكد يادلين انه بالرغم من الغارة الاسرائيلية، إلا أن عملية نقل السلاح بما فيها السلاح النوعي الذي يتجاوز الخطوط الحمراء الاسرائيلية، ستتواصل، الامر الذي سيشكل تحدياً لصناع القرار في اسرائيل ايضاً في المستقبل، وبالتالي سيكون مطلوباً من اسرائيل الاستمرار في دراسة جدية لأخطار التصعيد، الذي سيتعزز من حادثة الى اخرى. ودعا يادلين المخططين التنفيذيين في اسرائيل الى ضرورة الاخذ بالاعتبار، أن كل قدرة عملياتية، وخبرة ووسيلة قتالية موجودة في سوريا أو في ايران، يمكن أن تصل، أو سبق أن وصلت بالفعل، الى حزب الله.