«لم نعد نملك ترف الوقت للوم الرئيس باراك أوباما على سياساته أو لانتقاد استراتيجية البيت الأبيض في سوريا، الوضع حَرِج كفاية والحلول باتت محدودة جداً... لذا فلتبدأ الولايات المتحدة بالعمل»، هذا هو لسان حال معظم المحللين والدبلوماسيين الأميركيين الذين كثّفوا في الأيام الأخيرة اقتراحاتهم «العاجلة والملحّة»، لوضع الحلول الدبلوماسية والعسكرية والإنسانية على سكّة التنفيذ.
انطلاقاً من خطورة المرحلة الراهنة ووصول الأزمة السورية الى وضع «حرِج» سياسياً وميدانياً، شدّد بعض الصحافيين الأميركيين في الأيام الماضية على ضرورة التمسك بـ«هدنة ميونيخ» كخشبة خلاص للكارثة الإنسانية أولاً وكـ«تمهيد للحلّ السياسي» لاحقاً. «إذا فشلت الدبلوماسية فالآتي سيكون أسوأ بكثير» نبّه ديفيد إغناتيوس في «ذي واشنطن بوست» أمس. «هي (أي الهدنة) اللعبة الوحيدة الباقية لدينا... ولا أرى أية استراتيجية أخرى غيرها في الوقت الحالي» نقل إغناتيوس عن سفير الإمارات العربية المتحدة في واشنطن يوسف العتيبة، مؤكداً ضرورة عدم تبديد الجهود الدبلوماسية لوزير الخارجية جون كيري. الصحافي الأميركي يدرك أن وقفاً شاملاً لإطلاق النار هو «أمر مستحيل» حالياً، إذ يجب على المقاتلين «فرز أنفسهم» أولاً و«على المملكة السعودية والرعاة الآخرون أن يبذلوا كل جهودهم لكي ينضمّ (المعتدلون) من المتمردين إلى معسكر وقف إطلاق النار بدل الالتحاق بالمجموعات الإرهابية». إغناتيوس يرى أيضاً أنّ على واشنطن أن تعادل النفوذ العسكري الروسي في سوريا، وذلك من خلال قيادة قوات خاصة ترسلها السعودية والإمارات العربية، مع احتمال أن تشارك تلك القوات الخاصة المشتركة لاحقاً في حملة ضرب الرقّة، عاصمة «داعش». الصحافي وصف الأزمة السورية بـ«أكثر الأزمات تعقيداً»، وتحدّث بدهشة عن مدى «جنون هذه الحرب» عندما أشار إلى «قيام تركيا، أحد أعضاء حلف شمال الأطلسي حليف الولايات المتحدة، بضرب القوات الكردية، وهي أحد أفضل حلفاء واشنطن في سوريا!».
اقترح بعض المحللين عدداً من التوصيات، كفرض «مناطق آمنة»

بالعودة إلى الحلول العملية لبدء تنفيذ وقف إطلاق النار في سوريا، اقترح بعض المحللين في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» عدداً من التوصيات، كان أبرزها فرض «مناطق آمنة» على الحدود التركية شمال غرب سوريا وشمال شرق حلب والمناطق الكردية وجنوباً على الحدود مع الأردن. لكن، يلاحظ أن معظم تلك التوصيات ركّزت على مواجهة روسيا أكثر من أي شيء آخر، ومن بين التوصيات التي وُجّهت إلى واشنطن والغرب:
ــ فرض حظر طيران حول المناطق الآمنة للتأكيد أن هدف الغرب هو معالجة الكارثة الإنسانية فقط.
ــ فرض بعض الخطوط الحمراء الواضحة على الروس ومنعهم من تخطّيها.
ــ قيام عناصر من قوات التحالف بقيادة واشنطن بمراقبة كافة الحواجز على الطرقات المؤدية إلى المناطق الآمنة.
ــ الحرص على أن يشرف «الصليب الأحمر» على توزيع المساعدات الإنسانية.
زيادة الجيوش الغربية لموارد وعدد الجنود المشاركين في مواجهة الحرب الإلكترونية الروسية.
ــ مواجهة الحملة الإعلامية الروسية المضللة بحملة إعلامية غربية مضادة تركّز على خرق الرئيس السوري بشار الأسد شرعات حقوق الإنسان الدولية ولجوئه إلى العنف بسبب نقص عديد قواته وعلى الدور الروسي المعيب وحملة موسكو ونتائجها العكسية في سوريا.
وقبل الشروع في أي مبادرة، يضيف محللو «معهد واشنطن»، على المخططين أن يبنوا سياسات تتعلق بالردود المحتملة أو ردعها، سواء من نظام الأسد أو حلفائه أو تنظيم «الدولة الإسلامية» أو «جبهة النصرة» أو غيرهما من الجماعات، كذلك من الضروري إعداد استراتيجيات للانسحاب.
من جهة أخرى، بحث كينيث بولاك في «فورين أفيرز» خيارَي الولايات المتحدة ورئيسها المقبل حيال الشرق الأوسط، وهما إما «الغوص أكثر فيها أو الخروج المطلق منها»، دارساً مكاسب وخسائر كلا الخيارين. وفي ما يتعلق بسوريا، يقول بولاك إنه «عكس التفكير السائد، أثبتت التجارب السابقة أن تدخل طرف ثالث خارجي في حرب أهلية يمكن أن يُسهم في إنهائها باكراً». وفي هذا السياق يقول بولاك إن على اللاعب الخارجي أن يحقق ثلاثة أهداف: أولاً، تغيير الديناميكية العسكرية بحيث لا يرى أي طرف من المتصارعين إمكانية لتحقيق نصر عسكري على الآخرين وبحيث لا يخشى أي طرف من أن يُذبَح لحظة إلقاء سلاحه. ثانياً، أن يبتكر اللاعب الخارجي صيغة سياسية تسمح لجميع الأطراف بالمشاركة في الحكم. ثالثاً، أن يضع مؤسسات تضمن تحقيق الهدفين السابقين.
بولاك يشير أيضاً إلى أن قيام الولايات المتحدة بلعب هذا الدور «لن يكون أمراً سهلاً»، لكن يجب «أن لا يكلّف واشنطن أثماناً تدميرية كما حصل خلال التجربة المريرة في العراق».